زود الله الطبيعة والحياة الطبيعية في كوكب الأرض بميزة هامة وهي القدرة على أن تظل متوازنة وتستعيد توازنها، وتدوير مواردها، كلما اختل بشكل طبيعي.
فمثلاً لو انفجرت براكين أو اشتعلت غابات أو انتشر وباء فإن ردود الأفعال الطبيعية لمكونات هذا الكون كانت تستطيع أن تستعيد الأوضاع الأصلية خلال فترات بسيطة تتراوح بين الأيام أو حتى عشرات السنوات. وهذا لا يدفعنا لنفي التغيرات الجيولوجية والبيولوجية والمناخية التي تحدث بالأرض ولكنها تحدث بوتيرة بطيئة جداً تمتد لعشرات الألوف من السنوات مما يجعلها تكاد تكون غير محسوسة، والأهم أنها تحدث في ظل ثبات قانون التوازن الطبيعي الذي لو حدث به خلل لا قدر الله فإن مصير الكوكب بصفته الكوكب الذي يحمل على سطحه حياة تنبض ومخلوقات تسعى سيصبح تاريخاً.
قبل قرنين من الآن، كان الإنسان وهم أحد أهم مكونات الحياة على كوكب الأرض ضمن هذه المنظومة المتوازنة ولم تكن أنشطته الحياتية بالخطورة الكبيرة التي يمكنها أن تؤثر على التوازن الطبيعي المستقر. واستمر هذا الواقع حتى بدأت الثورة الصناعية الأولى، وظهور الآلات البخارية التي بدأت في حرق وقوداً أحفورياً لتدفع إلى الهواء والبيئة المحيطة غازات غير معتادة وملوثة للبيئة مثل أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين، أضف لذلك نفث طاقة حرارية إضافية تساهم في رفع درجات الحرارة بشكل عام.
استمر الانسان في التطور وصاحب هذا التطور ارتفاع مطرد في عدد سكان الأرض حيث تشير التقديرات أن عدد السكان بمطلع القرن السابع عشر لم يتعد النصف مليار نسمة والذي تضاعف الآن تقريبا خمسة عشر ضعفاً ليصل لقرب الثمانية مليارات نسمة، وهي نتيجة طبيعية لمضاعفة القدرات البشرية نتيجة التطور العلمي والصناعي في النواحي الطبية والعلاجية وقدرته على استخراج الثروات الأرضية والمعادن والنفط مما سمح له باستخدام هذه الموارد بنهم شديد وبشكل أصبح ينبئ أن الأجيال القادمة قد تأتي ولا تجد موارد جديدة على سطح الأرض.
امتدت الأنشطة البشرية وتزايدت الاحتياجات، وبرزت الحاجة للتوسع بالزراعة وتحويل الغابات لمزارع ومراعي، وكذلك الحصول على الأخشاب مما نشا عنه ظاهرة إبادة الغابات الطبيعية التي كانت تعتبر المصنع الطبيعي لانتاج غاز الأكسجين من خلال عملية التمثيل الضوئي، وظهرت ظاهرة الاحتباس الحراري مما أدى لارتفاع متوسط حرارة الأرض حوالي 5 درجات خلال المائة عام الأخيرة، وهو الأمر الذي أصبح بغاية الخطورة ويهدد بانصهار الطبقات الجليدية بالقطبين المخزونة على صورة ثلوج من ملايين السنوات، مما سيؤدي لارتفاع منسوب المياه بالمحيطات وغرق ملايين الكيلومترات من السواحل بالعالم وسيصاحبها تغيرات مناخية جذرية قد تكون كارثية. أضف لذلك الآثار المدمرة على الإنسان نفسه كنتيجة للتعامل البشري السيء مع الموارد الاقتصادية التي مع نضوبها وندرتها ستتعرض الجماعات البشرية للفقر والجهل والمرض وافتقاد الحياة الكريمة.
وبدون الدخول في تفاصيل فنية وعلمية وجيولوجية وطبية وبيئية كثيرة ويطول بيانها فإن الآثار التي نجمت عن التطور العلمي والثورات الصناعية المتعاقبة أصبحت تهدد استقرار حياتنا واستمرار وجود ملايين الأنواع من المخلوقات التي تعيش على ظهر هذا الكوكب. أليس هذا بحد ذاته جرس إنذار يجب التوق عنده ملياً.
نحن الآن على مشارف الثورة الصناعية الرابعة وما تحمله من أحلام جديدة للبشر، حيث يتعمق استخدام الآلة الذكية مما يتيح علاجات جديدة للأمراض مع توقعات بارتفاع متوسط أعمار الانسان، وهو ما يعني أن هذا الكوكب عليه الآن أن يوفر موارد وغذاء ووقود ومواد ومعادن لأعداد كبيرة جدا بالمستقبل مما سيزيد تعقيد الموقف الذي تم بيانه، ويمكن الجزم أن توفير الموارد – لضعف العدد الحالي من سكان المعمورة – يكاد أن يكون مستحيلا لو استمرت الممارسات والأنشطة البشرية على منوالها المطرد الحالي دون إعادة النظر بها وفرض تغييرات جذرية في ممارساته غير الطبيعية لتراعي الأبعاد البيئية والاقتصادية والإنسانية لتستمر الحياة وتستدام على هذا الكوكب.
د. م. علي محمد الخوري
مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية ورئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |