دراسة لـ «المركزي البريطاني»: ارتفاع مؤشر الأسعار في المملكة بنحو 67 ضعف منذ 1694 وحتى عصر الاقتصاد الرقمي

...
التاريخ: 11 - 03 - 2021

الأسعار شهدت ارتفاعات بمعدل أكبر في الخمسين سنة الماضية من أي فترة مماثلة منذ إنشاء البنك المركزي في بريطانيا

تناولت دراسة أعدها كلاً من هيلين ماكفارلين وبول مورتيمر لي من قسم الاقتصاد في البنك المركزي البريطاني، تاريخ التضخم على مدار 300 عام في المملكة المتحدة، وكيف تطور التفكير في التضخم خلال تلك الفترة؟.

وأوضحت الدراسة أنه في أفضل تقدير، ارتفعت الأسعار بنحو 67 ضعف منذ تأسيس البنك في عام 1694، وحتى وقتنا هذا الذي يعرف بعصر الاقتصاد الرقمي، إلا أنه لم يكن تاريخ القرون الثلاثة الماضية تاريخًا لارتفاع مستمر في الأسعار، بل شمل فترات ارتفاع وانخفاض للأسعار، وقليل من الميل إلى الارتفاع أو الانخفاض المستمر، في حين أكدت الدراسة أن الأسعار ارتفعت بمعدل أكبر في الخمسين سنة الماضية من أي فترة مماثلة منذ عام 1694؛ كما تضاعف مؤشر الأسعار ثلاث مرات بين عامي 1694 و 1948، لكنه ارتفع منذ ذلك الحين بنحو 20 ضعفًا.

رسم بياني يوضح تطور أسعار التضخم خلال فترات زمنية سابقة

وأشارت الدراسة إلى ارتفاع الأسعار في قطاعات متعددة كان من أمثلتها تكلفة البناء التي ارتفعت على مدار تلك الفترة حيث بلغت تكلفة تدشين مبنى Threadneedle Street القديم للبنك نحو 13,153 جنيه إسترليني عند الانتهاء منه في عام 1734؛ في حين بلغت تكلفة بناء المبنى الحالى نحو 5.3 مليون جنيه إسترليني في عام 1939، هذا كما ارتفعت أسعار العقارات السكنية بشكل حاد من حيث القيمة الاسمية والحقيقية في فترة ما بعد الحرب، كما يوضح الرسم البياني التالي:

وأضافت أنه في القرن الحالي، سجل التضخم معدلات مرتفعة خلال الحرب العالمية الأولى – ارتفعت الأسعار بأكثر من 100٪ – بينما انخفض الإنتاج، وعلى الرغم من الارتفاع الكبير في الأسعار، والذي تجاوز مثيله في الولايات المتحدة، كانت المملكة المتحدة مصممة على العودة إلى معيار الذهب عند التكافؤ قبل الحرب، وهو ما فعلته في عام 1925، مما أدى إلى فترة طويلة من الانكماش حتى قبل بداية الكساد في 1929-1930.

هذا كما أدت الحرب العالمية الثانية إلى زيادة في الأسعار إلا أنها لم تكن كبيرة للغاية، زيادة بنحو 30٪، وكان الاختلاف جزئيًا حيث ساهم التقنين (rationing) في التأثير إيجابيًا على احتواء الزيادات المقاسة في الأسعار، كما لم تكن هناك زيادة حادة في الأسعار بمجرد انتهاء الحرب، ويرجع ذلك جزئيًا إلى استمرار التقنين (rationing) لعدة سنوات، وكذلك نظرًا للزيادة في العمالة المدنية التي أدت إلى نمو المعروض من السلع والخدمات، وفقًا للدراسة.

وأشارت إلى أن هناك عدد من العوامل التي تفسر لماذا كانت فترات التضخم السابقة عادة مؤقتة ثم انعكست في وقت لاحق، كان أحدها مصدر الزخم التضخمي، فغالبًا ما كانت الأسعار المرتفعة ناتجة عن اضطرابات مؤقتة، مثل الحروب أو فشل المحاصيل، وبمجرد استعادة السلام أو الحصاد، تراجع الطلب الزائد على السلع من حيث المال.

وأوضحت الدراسة أن الترابط الوثيق بين الاقتصادات المختلفة بسبب استخدام المعيار الذهبي كان عاملاً آخرًا؛ حيث تميل الزيادة في الأسعار النسبية في بلد ما إلى إنتاج تدفق الذهب من هذا البلد، مما يعني ضمنياً انكماشًا نقديًا ساعد على استقرار الأسعار، هذا بالإضافة إلى دور وسلوك القطاع العام المختلفين، حيث كانت الزيادة الحادة في مستوى الدين الحكومي التي صاحبت الحرب عابرة في كثير من الأحيان، وتلاها انخفاض كبير في الإنفاق بمجرد انتهاء الحرب. فبعد عام 1814 – على سبيل المثال – انخفض الإنفاق الحكومي من حوالي 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 10٪.

واستنتجت الدراسة أنه خلال الثلاثمائة عام الأولى من تاريخ البنك المركزي البريطاني، تم النظر إلى مجموعة متنوعة من العوامل على أنها تساهم في عملية التضخم، حيث ألقى البعض باللوم في التضخم في السبعينيات على نظام العلامة العشرية في عام 1971 – زادت قيمة أصغر عملة بمقدار 2.4 مرة، ومع مرور الوقت، لحقت الأسعار بالتغير، كما تم اقتراح عدد من الحلول للتعامل مع التضخم أو لتجنبه. وتنوعت هذه الحلول بين القيود النقدية التقليدية (أي زيادة أسعار الفائدة) وضوابط الأسعار والأجور بدرجات متفاوتة

من الشدة، إلا أنه يبدو أن بعض الفترات التي اتسعت فيها الأجور وتقييد الأسعار كان لها تأثير قصير الأجل على التضخم (على سبيل المثال تقييد الأجور في الفترة 1972-1973)، بينما ضبط النفس اعتمد في كثير من الأحيان على سلوك من جانب الموظفين والشركات لا يخدم مصالحهم الفردية؛ بالإضافة إلى ذلك، فقد شجع الحكومات في كثير من الأحيان على اتباع المزيد من سياسات الاقتصاد الكلي التضخمية – وفي الأغلب – أعقب هذه الفترات في كثير من الأحيان فترات “اللحاق بالركب”، حيث أعيد تعديل الأسعار وفقًا لأسس الاقتصاد الكلي.

هذا كما أوضحت الدراسة أنه تم إلقاء اللوم بانتظام على عوامل خارجة عن الوضع المحلي في زيادة التضخم – وهو أمر ليس دائمًا على أساس سليم – ومع ذلك، يمكن تفسير الرسم البياني أعلاه على أنه يشير إلى درجة من العدوى في التضخم بين البلدان. فمن المؤكد أن المملكة المتحدة لم تكن وحدها في مواجهة تضخم أسرع بكثير في فترة ما بعد الحرب؛ وقد شوهد الشيء نفسه في البلدان الكبرى الأخرى، على الرغم من أن أداء الولايات المتحدة كان أفضل قليلاً من أداء المملكة المتحدة في كل من الفترتين 1885-1938 و1950-93. كان أداء التضخم في ألمانيا متفوقًا على أداء الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب. ولكن فيما يتعلق بالأرباح، كانت الأمور مختلفة بعض الشيء، حيث أظهرت الولايات المتحدة باستمرار متوسط ​​نمو أقل.

وأكدت الدراسة أنه يمكن أن تنشأ الصدمات التي تؤثر على الأسعار من عدة مصادر، سواء كانت تؤدي إلى التضخم أم لا، بدلاً من التغيير في الأسعار النسبية ولكن لا يوجد تغيير في مستوى السعر الإجمالي يعتمد على السياسة النقدية، حيث أن التضخم هو ظاهرة نقدية، وينعكس بشكل تدريجي في خسارة المال للقيمة من حيث السلع والخدمات، لذا يمكن أن يحدث النمو النقدي الزائد عن النمو في النشاط الاقتصادي الحقيقي دون التسبب في حدوث تضخم، شريطة أن تنخفض سرعة تداول الأموال (نسبة الدخل القومي الاسمي إلى المخزون النقدي). ومع ذلك، لم تكن هناك حالات تقريبًا لم يرتبط فيها التضخم بزيادة في المعروض النقدي؛ وهو ما يتضح في الرسم البياني التالي للسنوات منذ عام 1920.