الخشت: التكنولوجيا الذكية الرقمية ضرورة في إدارة الدولة الوطنية العصرية

...
التاريخ: 12 - 06 - 2022

القاهرة – جمهورية مصر العربية

 

في مقالة بجريدة الأهرام المصرية بعنوان الاقتصاد الرقمي والاستقلال الاستراتيجي للدولة، لمعالي د. محمد الخشت رئيس الجامعة القاهرة، قال فيها بأنه “لا يمكن أن ينكر أحد أن التكنولوجيا الذكية الرقمية ضرورة في إدارة الدولة الوطنية العصرية سواء على المستوى الاستراتيجي من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، أو على مستوى الحياة اليومية للأفراد؛ وذلك بعد تسارع الثورة المعلوماتية والتكنولوجية، وما أدت إليه هذه الثورة من تداعيات في أداء عمليات التبادل والاتصال والتفاعل الحتمي بين كل الجهات الدولية والإقليمية والمحلية.

وهذه مسألة باتت حقيقة، ومن تأخر في إدراك هذه الحقيقة، فقد فاجأته جائحة كوفيد-19 التي صدمت العالم كله لتؤكد من جديد على هذا المطلب الملح للتكنولوجيا الذكية الرقمية.

ولقد رأينا أهمية ذلك عن قرب في جامعة القاهرة على مستوى العملية التعليمية، وإجراء الامتحانات، والبحث العلمي، والشمول المالي، وحوكمة الإدارة؛ الأمر الذي لم يؤد فقط إلى سرعة التكيف مع جائحة كورونا، بل أدى أيضا إلى المساهمة في التقدم في التصنيفات الدولية، والحصول على الاعتماد الدولي وشهادات الأيزو الدولية لعدد كبير من الكليات والبرامج.

كما قال معالي د. الخشت بأن: “مؤتمر ومعرض الاقتصاد الرقمي (سيملس الشرق الأوسط 2022) جاء كمناسبة دولية للتأكيد القوي عن أهمية التحول الذكي الرقمي في كافة الأنشطة والمجالات بما فيها المجال الاقتصادي؛ فالاقتصاد هو قاطرة الدول نحو القوة والتقدم وتحقيق حياة كريمة للشعوب، وهو آلية مهمة لتحقيق “الوحدة الاقتصادية الإقليمية” للعالم العربي، وتحويله إلى قوة اقتصادية عالمية.”

وأردف قائلاً: “أتصور أنه يجب علينا مناقشة أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد الرقمي في منطقتنا، ولعل من أبرزها:

أولاً: انخفاض نطاق الاستقلال الاستراتيجي الرقمي للدولة الوطنية في العالم كله، نظراً لاحتكار الدول الكبرى وقلة من الشركات العملاقة لمصادر البيانات، وتكنولوجيا تحليل البيانات، وامتلاك الأدوات الرقمية الذكية؛ الأمر الذي يثير شكوكاً حول تراجع قدرات أغلب الدول على فرض سيادتها كاملة في الفضاء السيبراني وما يرتبط بها من تطبيقات رقمية بالغة التنوع. وهنا يمكن الإشارة إلى تحد آخر، يتجلى في صراع الدول الكبرى على السيطرة على الفضاء السيبراني بالقدر نفسه للصراع على الفضاء الكوني، حتى غدا الفضاء السيبراني ساحة جديدة للحروب والصراع، وأصبح أداة من أدوات السيطرة ومد النفوذ الاستعماري بأشكاله الجديدة.

ثانياً: عدم توحيد نطاق المسئولية عن التحول الرقمي، وما يترتب على ذلك من عدم ضمان وحدة المسار الاقتصادي للدولة، سواء في التفاعل مع الاقتصادي الخارجي أو مواجهة الاقتصاد الموازي؛ حيث يثير التحول الرقمي خاصة في المجال الاقتصادي التساؤل حول تحديد نطاق المسئولية عن هذا التحول، وإلى أي مدى تكون مشاركة القطاع الأجنبي والقطاع الخاص وغيره من القطاعات غير الحكومية في عملية التحول الرقمي؟ وكيف يمكن تنظيم عملية التحول الرقمي وتقنينها للحفاظ على وحدة النظام الاقتصادي للدولة في نطاق الحفاظ على الاستقلال الاستراتيجي للدولة في المجال الرقمي؟

ثالثاً: اتساع الفجوة الرقمية بين الدول المنتجة للتكنولوجيا المعرفية والدول المستهلكة لهذه التكنولوجيا، ففي عصر التحول الرقمي أصبحت البيانات أحد الأصول الاستراتيجية الرئيسة لقيادة الدول سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، حيث تؤثر طريقة معالجة هذه البيانات بشكل كبير على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بل وتؤثر على سلامة ودقة وسرعة أداء الدول ومدى استقرارها. فالبيانات متعددة الأنواع والأبعاد، وطريقة استخداماتها لها آثار واسعة النطاق ليس فقط على مستوى التجارة والتنمية الاقتصادية، ولكن أيضًا على مستوى تحقيق السلام المجتمعي والأمن الداخلي والخارجي، ومن ثم تحديد مدى قدرة الدولة على تحقيق الاستقلال والاستقرار الاستراتيجي.

رابعاً: ضعف البنية التحتية الرقمية بصفة عامة، والاقتصادية والمالية الرقمية على وجه الخصوص، مما يشكل تحديًا كبيراً لكثير من الدول الفقيرة والنامية والدول محدودة القدرات الاقتصادية بشكل عام، ويضاف لهذا عائق الاعتماد على الخبرات الأجنبية الخارجية في تأسيس هذه البنية الرقمية التحتية. وقد كشف اتساع نطاق الاستخدامات الرقمية منذ جائحة كوفيد -19 على ضرورة تأسيس هذه البنية لدي كثير من الدول بالإضافة لتحديثها وتوسيعها لدى دول أخرى، الأمر الذي فرض أعباء اقتصادية جديدة على موازنات تلك الدول.

خامساً: انتشار الأمية الرقمية بشكل عام، لا سيما في الشئون الاقتصادية والمالية الرقمية، مما يمثل عائقا أمام تحقيق التحول الرقمي في المجال الاقتصادي واعتماده كطريقة عمل جوهرية في عمليات قطاع البنوك. ويزيد من حجم وحدة هذه المشكلة انتشار الجرائم الالكترونية وتنوع أساليبها وتجددها، ويساهم في نجاح هذه الجرائم انخفاض الوعي الرقمي ومحدودية المعرفة بالاستخدامات الالكترونية. وفي المجتمعات التي ما زالت تعاني من أمية القراءة والكتابة، يتجلى هذا التحدي على نحو أكثر خطورة خاصة في مجال الأمن القومي في النطاق الاقتصادي.

واختتم مقالته قائلاً: بأن “التحديات الخمسة السابقة تفرض نفسها على مائدة الأولويات، ويجب التفكير في حلول عملية لها؛ حتى يمكن امتلاك اقتصاد رقمي ذكي وقوي تتحقق معه وحدة النظام الاقتصادي للدولة، كما يتحقق معه إحكام عمليات حوكمة الإدارة، مما يساهم في الإسراع بعمليات التنمية المستدامة، وتحسين أنماط الحياة، وقوة رأس المال المجتمعي، وزيادة نطاق الاستقلال الاستراتيجي العام للدولة.ً