رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي لـصحيفة” البلاد السعودية ”:قفزات تقنية فريدة تقود للعالمية

...
التاريخ: 23 - 09 - 2022

المصدر: صحيفة البلاد السعودية

مها العواودة

د. علي محمد الخوري

باتت المملكة العربية السعودية من بين الدول الأعلى تقدما في ميدان تقنية المعلومات والاتصالات، وتشق طريقها لتكون جزءاً من المراتب المتقدمة من بين 7 دول في مجال تقنية المعلومات والاتصالات التي يطلق عليها الآن مجازاً “الثورة الصناعية الرابعة”.

وجاءت المملكة في المركز الثامن عالمياً من ناحية مدى كفاءة استخدام تقنية المعلومات والاتصالات من جانب الحكومة والهيئات الرسمية في تنفيذ أعمالها، ومدى تحسين نوعية الخدمات الحكومية للسكان في ميدان تقنية المعلومات، وفي المركز التاسع عالمياً من ناحية مدى نجاح الحكومة في تشجيع استخدام تقنية المعلومات والاتصالات.

كما احتلت المملكة المركز الـ 15 من ناحية اشتراكات النطاق العريض في الإنترنت للحاسوب المحمول لكل 100 نسمة، والمركز الـ 18 من جهة مؤشر نوعية الخدمات التي تقدمها الحكومة على الإنترنت، ويتولى هذا المؤشر تقييم تنفيذ الحكومة لمشاريع خدمات الإنترنت.

 كيف ترى رؤية المملكة الاستباقية في تجهيز البنية التحتية الرقمية ؟

تمكنت المملكة برؤيتها الاستراتيجية الطموحة 2030 من تحقيق قفزات كبيرة وملموسة وإنجازات قياسية في فوراق زمنية قصيرة. وقد أظهر تقرير المؤشر العربي للاقتصاد الرقمي الصادر في 2022، بأن المملكة قد صعدت خلال الفترة ما بين العام (2020 – 2022) من المركز الرابع إلى المركز الثاني بين الدول العربية، وهو ما يؤكد بأنها تنتهج أنماط تطويرية ومسرعات غير تقليدية.

ويبين التقرير أيضاً بأن المملكة رفعت متوسط سرعة الإنترنت من 9 ميجابت/الثانية في عام 2017 إلى 109 ميجابت/الثانية في عام 2020، وأوصلت خدمات النطاق العريض لكافة المناطق النائية لربط كافة المجتمعات والمناطق ببنية تحتية متطورة تحقق رؤية المملكة في بناء أحد أهم ممكنات الاقتصاد الرقمي والمتمثل في سرعة الاتصال بالإنترنت.

وللتعبير بشكل أكثر دقة عن النمو الجذري بالبنية التحتية في المملكة فتجدر الإشارة إلى مشروع خدمات التصديق الرقمي المعتمدة على مفاتيح التشفير العام (PKI) والذي تم تعزيزه بتأسيس المركز الوطني للتصديق الرقمي لإصدار شهادات التصديق العام في إطار باقة متكاملة من الإجراءات والبنية التحتية والتشريعات لتعزيز وتأمين المعاملات الإلكترونية؛ ومن شأن ذلك أن يقفز بكافة الأنشطة الرقمية لبعد جديد قد يكون الأكثر حداثة وفريد من نوعه إقليمياً وعالمياً.

كما ويمكن أن نلمس حجم الجدية في الحركة التنموية الرقمية في المملكة، حيث تم تشكيل مجلس إدارة هيئة الحكومة الرقمية برئاسة وزراء وكبار المسؤولين في الدولة، ويتجلى في ذلك إصرار المملكة على مواجهة وتجاوز الصعوبات والعقبات التي قد تعتري تنفيذ خططها وأجنداتها الرقمية، وهو ما نراه خطوة بغاية الأهمية لمواجهة المقاومة التقليدية التي تواجهها مشاريع التحول الرقمي حيث عادة ما نجد بأن المؤسسات الحكومية لا تنخرط في عملية التحول بالجدية الكافية، ولا تتكامل بالشكل الصحيح، مما يؤخر الخطط الحكومية في كثير من الأحيان أو يبدد الموارد على مشاريع حكومية لا تحقق أهدافها بكفاءة وفاعلية. ومن هنا فإن هذا المجلس بتشكيله يمثل قرار استراتيجي، يضع الثقل الحكومي خلف هذا التحول الرقمي بكل جدية.

 ما مدى تأثير ذلك على الحراك التنموي ؟

مما لا شك فيه أن التمكين الرقمي للخدمات والأنشطة الاقتصادية المختلفة يضاعف من القدرات الوطنية وسرعة معدلات نمو الناتج العام بحسب ما تظهره الدراسات المختلفة وتجارب الدول. كما أنه وبحسب تقرير المؤشر العربي للاقتصاد الرقمي، فإن كل (2%) زيادة بنتيجة مؤشر الاقتصاد الرقمي، سيناظرها زيادة في الناتج المحلي بحوالي (5%-%10)؛ وهو ما يشير لمدى عمق تأثير وفعالية التحول الرقمي في تعزيز الإنتاج وتنمية الاقتصادات الوطني.

وبحسب التوقعات الرسمية الصادرة عن وزارة الاتصالات السعودية، فإن معدل مساهمة الاقتصاد الرقمي سيصل إلى 25%؜ من الاقتصاد السعودي خلال الأعوام الثلاث المقبلة وهو تأثير كبير وملفت، ونتوقع من وجهة نظرنا بأنه ومع استمرار المملكة في تنفيذ خططها وأجنداتها الرقمية بالوتيرة الحالية، فإن حجم المساهمة قد يتخطى ثلث الاقتصاد السعودي بحلول العام 2030.

 تأثير ذلك على سرعة إنجاز المعاملات ؟

أقرت المملكة ضمن إستراتيجية الحكومة الذكية (2020-2024)، مبدأ “الزيارة الواحدة” والتي يقصد بها تزويد البيانات من الأفراد والشركات لمرة واحدة بلا تكرار، والاعتماد على الربط الإلكتروني بين قواعد البيانات الحكومية، وهو ما من شأنه أن يساهم في أتمتة الإجراءات وتطوير خدمات رقمية أكثر كفاءة. ومع وجود منظومة هوية رقمية موحدة في المملكة، فإن ذلك من شأنه أن يدعم مؤسسات القطاع العام والخاص تطوير خدماتها الإلكترونية وتطبيقات رقمية على منصات الأجهزة الذكية والتي لن تختصر مدة إنجاز المعاملات فحسب، بل قد تلغي الحاجة لمراكز الخدمة التقليدية.

على سبيل المثال، فلنفترض أنه وبعد تسجيل ملكية عقار ما، لن يحتاج المالك لتكرار الحصول على الموافقات البلدية مثلاً عند حاجته لتوصيل الخدمات والمرافق، فالبيانات سيتم الوصول إليها من قاعدة البيانات وبدون الحاجة لإعادة زيارة المركز البلدي الحكومي مرة أخرى، حيث ستكون السجلات مرتبطة بهوية الفرد، ويمكن التحقق من البيانات إلكترونياً، وبشكل تلقائي حسب منظومة إدارة البيانات التي تتحكم في طبيعة البيانات المتاحة حسب نوع الخدمة الحكومية.

ثم أنه ولو أضفنا المميزات الخاصة بالبنية التحتية السريعة وتوافر الإنترنت، وتنامي الخدمات الحكومية بشكل رقمي متكامل، فإن هذا سيعني كفاءة عالية وسريعة بالعمليات وتوفير كبير بتكاليف التشغيل وإصدار تلك الخدمات، مما يمكن معه تحقيق وفورات مالية بعشرات المليارات من الريالات من حيث الوقت المستهلك من المستفيدين والجهاز الحكومي لتنفيذ هذه الخدمات بشكل يدوي.

  هل تعزز القوة التقنية فعالية الأمن السيبراني ؟

مع زيادة تطور التكنولوجيات الناشئة والجديدة، فإن الحكومات والمؤسسات أصبحت أمام معترك يضم تحديات معقدة وغير مسبوقة لضمان حماية واستمرارية بنيتها الرقمية. فبقدر ما تتيحه الحلول التكنولوجية من قدرات لصد المخاطر السيبرانية المحتملة، إلا أنها تمنح وبنفس القدر أيضاً قدرات جديدة للجهات المطورة لوسائل الهجوم والخداع السيبراني.

وبحسب التقديرات العالمية، فإنه من المرجح أن يشهد سوق الأمن السيبراني وخدماته نمواً كبيراً، كنتيجة لارتفاع معدلات ومخاطر الهجمات الإلكترونية العالمية، لحماية البنى التحتية والأنظمة والخدمات من مخاطر تلك الهجمات وضمان استدامتها.

فقد أشارت دراسة أجرتها (Global Market Insights)، أن تتضاعف الاستثمارات بقطاع الأمن السيبراني وتصل إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2024، مع ارتفاع قيمة سوق الأمن السيبراني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 2.89 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي نسبته حوالي 8٪ خلال المدة (2021 – 2026). ومن المتوقع أن يتجاوز حجم الاستثمارات بالبنية التحتية للأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية لحوالي 30 مليار ريال بحلول عام 2023 في ظل التوسع في المشاريع التنموية والحاجة لتأمين البنى التحتية الحيوية.

لذا فإن تعزيز الأمن السيبراني والثقة الرقمية يأتيان كنتيجة استراتيجية لا تتحقق إلا من خلال خطة شاملة تشارك فيها الحكومة وقطاع الأعمال والأفراد أيضاً من خلال الوعي والثقافة الرقمية وحسن الإدراك والتدريب على مجابهة المخاطر السيبرانية. ويمكننا تلمس جهود المملكة في تنفيذ خطط وطنية عملية وجادة من خلال الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في جهودها التنسيقية بين أطراف المجتمع ونحو تأمين البنية التحتية الرقمية، وهو ما تترجم في احتلالها المرتبة الثانية عالمياً من بين 193 دولة في محور التحسن المستمر في مؤشر الامن السيبراني لعام 2021 وفق تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات.