التحديات والفرص الاقتصادية في المنطقة العربية

...
التاريخ: 03 - 08 - 2023

القاهرة

المصدر: جريدة الوفد

أ.د. علي محمد الخوري

تواجه المنطقة العربية والشرق الأوسط مجموعة معقدة من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وتتفاقم هذه التحديات بسبب النزاعات والتوترات الإقليمية والعالمية التي تهدد بإحداث المزيد من عدم الاستقرار العالمي. وبينما يمر العالم بمخاض أزمة ثقة عالمية، فإن المطلب الرئيسي هو إيجاد فهم دقيق ومفصل لهذه القضايا قبل الدخول في معترك البحث عن الحلول الشاملة.

انعكاسات الصراعات العالمية

تساهم الصراعات العالمية الدائرة اليوم، مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، والصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، فضلاً عن التوترات الإقليمية في آسيا – حول جزيرة تايوان، والصراعات بين باكستان والهند، والكوريتين، وإيران والمنطقة العربية – في تأجيج أزمة الاستقرار العالمي. فهذه الصراعات ليست بأحداث مُنعزلة بالنظر إلى تأثيراتها العالمية.

وعلى الرغم مما تتمتع به المنطقة العربية من وفرة الموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي والمعادن، إلا أن الواقع يثبت بأنها ليست مُحصنة أمام هذه التحديات، مع استمرار مسلسل الاضطرابات السياسية والصراعات منذ الربيع العربي في عام 2011 في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن والسودان.

التحديات والفرص للمنطقة العربية

على الرغم من السيناريوهات القاتمة التي تصورها التقارير الدولية، إلا أن الدول العربية بإمكانها تجاوز العديد من التحديات بإعادة ضبط بوصلة التركيز الاستراتيجي. فمن الممكن إعادة تشكيل المسار الاقتصادي من خلال مجموعة من العوامل الحاسمة التي سنستعرضها في خطوط عريضة.

الأداء الاقتصادي: يعمل الأداء الاقتصادي كمؤشر أساسي للتقدم أو التراجع. وتبرز دول مثل الإمارات العربية المتحدة كدولة رائدة في العديد من المجالات، وأصبحت منافسة للعديد من الدول المتطورة، سواء في التنويع الاقتصادي أو صناعات المستقبل. كما وقطعت المملكة العربية السعودية وقطر أشواط كبيرة في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على البترول والغاز. حلقة الوصل بين هذه الدول تكمن في رؤاها المرتكزة على دعم تطوير ونضج مؤسساتها المالية والاقتصادية، والإصلاحات المؤسسية والتوظيف الأمثل للتكنولوجيا والاستثمار المستمر في رأس المال البشري.

النظام العالمي: تقدم ظاهرة العولمة فرصاً ومخاطر على حد سواء. فالتنمية العالمية السريعة والابتكارات من البلدان المتقدمة تأتي بآفاق جديدة للنمو. ويمكن أن يؤثر توفير رأس المال الدولي، والانفتاح الاقتصادي بشكل كبير على تطور الاقتصادات الوطنية والإقليمية. إلا أنه ومع ذلك، فإن العديد من الدول النامية تواجه العديد من التحديات لجذب رأس المال العالمي بسبب الضوابط التشريعية والمصرفية غير الكافية، والسياسات والخطط الوطنية الغير متكاملة، وافتقار المهارات الرقمية وضعف البيئات الوطنية والقطاعية لاستيعاب التكنولوجيا الحديثة.

الجدير بالإشارة إلى أن صافي تدفقات الأموال في الدول النامية ارتفع من المستوى المتوسط الذي كان يقدر بــــــــ 10 مليار دولار سنوياً، خلال سبعينات القرن الماضي إلى أكثر من 100 مليار دولار سنوياً في النصف الأول من التسعينات، ثم ارتفع إلى 166 مليار دولار في عام 2021. وارتفعت صادرات الدول النامية 10% عام 2021 بعدما كانت لا تتعدى 5% قبل ذلك. ووفرت هذه التدفقات – خاصة في الدول التي شرعت بالتغييرات الهيكلية والإصلاحية – العديد من الفرص الاستثمارية والتطور التكنولوجي وزيادة الإنتاج، وتوفير فرص عمل وسرعة نمو الاقتصاد، وتوسيع التجارة الدولية.

التخطيط والإصلاح الاقتصادي: هناك حاجة ماسة للتخطيط الاقتصادي الفعال على المدى القصير والطويل في المنطقة العربية وبهدف احتواء الأزمات العالمية والزيادة السكانية. ولا زال القطاع الخاص بعيداً عن لعب دوره الرئيسي في دفع الإصلاحات الاقتصادية، مع استمرار تركيز الحكومات للاعتماد على القطاع العام والذي تسبب في ضعف الاقتصاديات وترهلها بشكل كبير. ومن الممكن أن تساهم الإصلاحات المؤسسية، وتحسين كفاءة وفعالية الأداء المؤسساتي، وتحفيز الاستثمار في المرونة الاقتصادية، وتوفير مشروعات مختلفة تستوعب العمالة المتوقفة عن العمل، في إحداث نمو وتحسن اقتصادي ملموس.

استغلال الموارد الطبيعية: المنطقة العربية غنية بالموارد الطبيعية، والتي إذا تم استغلالها بشكل مسؤول، يمكن أن تدعم مستهدفات النمو الاقتصادي. وهذا يتطلب تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية الداعمة للاستثمار، والتحول المفاهيمي في اقتصاد الانتاج الغير معتمد على صادرات المواد الخام أو اقتصاد الاستهلاك المُجرّد.

التمويل والمؤسسات المالية: المؤسسات المالية السليمة ضرورية لتعزيز النمو الاقتصادي. ووضع الأطر التشريعية في هذا المجال من شأنه أن يسهل ويبسط العلاقة بين المدخرين والمستثمرين والمسؤولين عن تمويل القطاع الخاص ويمكن أن يؤدي إلى تنمية اقتصادية كبيرة. ويجب أن تكون الأنظمة المصرفية متسق مع السياسات الحكومية بدون أي تعارض مع التعديلات التشريعية، ولتسهيل إحداث نهضة اقتصادية ونمو اقتصادي فعّال، مبني على خطط ودراسات تحليلية شاملة للاقتصاد وظروف السوق وطبيعته.

اقتراحات السياسة العامة

تتطلب معالجة التحديات الاقتصادية الراهنة اتباع نهج استشرافي شامل. ويحتاج صانعو السياسات إلى التركيز على تعزيز الأداء الاقتصادي، والتكامل الإقليمي والدولي في النظام العالمي، من خلال التخطيط الاستراتيجي وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المترابطة والمُحكمة، واستغلال الموارد الطبيعية بشكل مسؤول، وتقوية المؤسسات المالية. يمكن أن يؤدي التركيز على تحقيق هذه الأهداف إلى تحسين الاستقرار الاقتصادي وخلق فرص العمل والأمن الاجتماعي، مما يوفر شعوراً بالثقة لدى صناع القرار في المنطقة.

ومما لا شك فيه، فإن المنطقة العربية سوف تستمر في المواجهة المباشرة مع التحديات الاقتصادية الكبيرة والمعقدة. وستبقى فعالية الحلول معتمدة على السياسات المدروسة، ومدى قدرتها على تخطي العقبات وتنمية اقتصاد أكثر تنوعاً وقدرة على الصمود. ولا بد لصانعي السياسات الالتزام باستراتيجيات تطلعية للاستفادة من الإمكانات الكبيرة للمنطقة، وضمان مستقبل مستقر ومزدهر لشعوبها.