أبوظبي
المصدر: جريدة الاتحاد
مفكرو الإمارات
أ.د علي محمد الخوري
مع تصاعد تداعيات الأزمة المناخية، تبرز التأثيرات البيئية المتنامية في التجارة الدولية، بصفتها مسألة تستوجب الدراسة، والتحليل، واستكشاف الحلول الفعالة، فلم يعُد من الممكن التغاضي عن الآثار المتنوعة والمتعددة الأبعاد للتغير المناخي، التي تتراوح في أبسطها بين التغيرات في أنماط الإنتاج والاستهلاك، وتمتد إلى مواجهة تحديات تدفق البضائع والسلع، ومن ذلك ارتفاع تكاليف الشحن والإنتاج، فضلًا عن تعطُّل البنى التحتية الرئيسية، مثل الموانئ والممرات البحرية، الذي يعرقل عملية النقل والتجارة الدولية.
وبحسب تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، شهِدت التجارة العالمية تراجعًا بنسبة 5 في المئة عام 2023 مقارنةً بالعام السابق، مع توقعات تشير إلى استمرار هذا التراجع في العام الجاري (2024). ويعود هذا التراجع جزئيًّا إلى التأثير المناخي في تقلبات إنتاج المحاصيل، ونقص الموارد الطبيعية الذي أصبح يزيد تعقيد الوضع الاقتصادي العالمي. وعلى سبيل المثال كان للجفاف الشديد وانخفاض منسوب المياه في قناة بنما -أحد أهم ممرات التجارة العالمية- تأثير مباشر في قدرة القناة على استيعاب السفن والبضائع، ما ينذر بتعطُّل سلاسل التوريد العالمية، ورفع التكاليف. وبالمثل أدَّى ارتفاع درجات الحرارة في فرنسا إلى تقلُّص إنتاج الطاقة النووية بسبب زيادة درجة حرارة مياه الأنهار المستخدمة في تبريد المفاعلات.
وبطبيعة الحال ستكون الدول النامية الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، نظرًا إلى اعتماد اقتصاداتها اعتمادًا كبيرًا على الزراعة والموارد الطبيعية. وتشير دراسة نشرها «معهد ستانفورد وودز» للبيئة إلى أن الإنتاجية الزراعية العالمية تُعد أقل بنسبة 21 في المئة مما كان ممكنًا أن تكون عليه من دون تأثير تغير المناخ، وأن هذا الانخفاض يعادل خسارة نحو سبعة أعوام من نمو الإنتاجية الزراعية منذ ستينيات القرن الماضي. وتؤكد تقارير عالمية أن تغيرات المناخ ستؤدي إلى تغييرات هيكلية في شبكة التجارة الزراعية العالمية، وتذبذب إنتاج المحاصيل، وستؤثر في الإمدادات الغذائية وأسعارها على مستوى العالم، فوفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي يُتوقَّع أن يؤدي تغير المناخ إلى انخفاض متوسط الدخل العالمي بنسبة تصل إلى 23 في المئة بحلول عام 2100 إذا لم تُتخَذ إجراءات مجدية.
وتتمحور الحلول، التي تدور في أفق التقارير العالمية، حول ضرورة أن تركز السياسات الوطنية على تعزيز قدرات التكيف مع تغير المناخ، خاصةً في الدول النامية التي تعتمد كثيرًا على الزراعة، وتفتقر إلى البنية التحتية المتينة، كما تحتاج هذه السياسات إلى أن تترافق مع استراتيجيات للتجارة الدولية الخضراء والمستدامة. ويتضمَّن ذلك تشجيع الابتكارات والتقنيات المنخفضة الكربون في مختلف القطاعات الاقتصادية ودعمها، ودمج الاعتبارات البيئية بالتخطيط الاقتصادي والتجاري لضمان التوازن بين مستويات النمو الاقتصادي المستهدفة، ومتطلبات الحفاظ على البيئة، إلى جانب التعاون الدولي المكثف لضمان توفير التمويل المناخي، والعمل على تنفيذ الالتزامات السابقة، وتطوير آليات جديدة للتحقق من تقديم الدعم المالي اللازم إلى الدول الأكثر تضررًا من تغير المناخ.
ومن المهم أن تُراعي هذه السياسات الأبعاد الاجتماعية لتغير المناخ، مثل تأثيره في الفقر والتوزيع العادل للموارد، ولا سيَّما إذا ما أخذنا في الحسبان تقديرات الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ، التي قد تصل إلى 23 تريليون دولار بحلول عام 2050، وفقًا لتقرير مؤسسة «ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان».
وإضافةً إلى ذلك يجب على الحكومات والمؤسسات الدولية تعزيز البحث والابتكار لتطوير تقنيات ومنهجيات مقاومة لتغير المناخ، ويشمل ذلك تحفيز القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية للإسهام في إيجاد حلول مبتكرة وفعَّالة تساعد على التقليل من الآثار السلبية لتغير المناخ في التجارة الدولية.
وختامًا يجب أن تتبنى السياسات الدولية نهجًا شاملًا يعالج تأثير تغير المناخ في التجارة الدولية، مع التركيز على الاستدامة، والتكامل، والتكيف مع التحديات المستقبلية. ويتطلَّب ذلك تعاونًا وتنسيقًا مستمرَّين بين الدول والمنظمات الدولية، مع التركيز على الابتكار والتمويل الذكي للتكيف مع التحديات المستقبلية، والاستفادة من الفرص الجديدة الناشئة في إطار اقتصاد عالمي أكثر استدامة ومرونة.
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |