المشهد الاقتصادي في مصر والتحديات والمسارات الاستراتيجية

...
التاريخ: 13 - 03 - 2024

القاهرة

المصدر: جريدة الوفد

أ.د. علي محمد الخوري

على الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التى تواجهها مصر داخليًا، إلا أن المسار الاقتصادى الوطنى لا يزال يُظهر إشارات النمو، حتى وإن كان ذلك يحدث بوتيرة أبطأ من المتوقع. لكن المشهد الاقتصادى العام يترافق مع ارتفاع ملحوظ فى معدل التضخم السنوى، الذى بلغ مستويات قياسية وصلت إلى 30% فى يناير 2024، بينما قفز تضخم أسعار المواد الغذائية إلى أكثر من 70%، وهو ما ألقى بثقله على التكلفة المعيشية للمواطن العادى.

كما أن مصر تعانى من عبء كبير من الديون الخارجية نتيجة لسلسلة الاقتراض التى شهدتها فى السنوات الأخيرة. ويتفاقم هذا التحدى بشكل كبير بسبب انخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار الفائدة، حيث تبتلع مدفوعات الفائدة أكثر من 45% من إجمالى الإيرادات منذ منتصف عام 2023. ثم إنه وعلى الرغم من الدخل المتأتى من قناة السويس وقطاع السياحة، إلا أن ارتفاع أسعار النفط والنزاعات القائمة فى غزة والتوترات الجيوسياسية الأخرى بدأت تشكل عائقًا. يُضاف إلى ذلك استمرار ضعف الاستثمار الأجنبى فى البلاد، باستثناء قطاع النفط والغاز، مما يزيد من صعوبات مساعى التعافى الاقتصادى.

لمواجهة التحديات الاقتصادية المتعددة، يتعين على صناع السياسات تبنى نهج استراتيجى يجمع بين التدابير التكتيكية الفورية والإصلاحات البنيوية الطويلة الأجل. نقطة البداية الحاسمة تكمن فى توسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص، باعتباره محرك النمو والابتكار لدفع النمو الاقتصادى. ويجب أن يتبع تنفيذ مثل هذه السياسات تبسيط الأطر التنظيمية، والحد من العقبات البيروقراطية، وخلق مناخ صديق للاستثمار، لخلق فرص العمل، ورفع مستوى الكفاءة.

ويبرز التنويع الاقتصادى المستدام كركيزة استراتيجية أخرى. فالاعتماد على قناة السويس والسياحة لتحصيل الإيرادات من العملات الأجنبية، ورغم كونه مفيدًا، إلا أنه يعرض الاقتصاد لنقاط ضعف خارجية. كما أن التنويع فى قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والقطاعات الخدمية يمكن أن تخفف من هذه المخاطر ويتيح الاستفادة من مصادر جديدة للنمو والتنمية. ويستلزم هذا التحول عقلية ابتكارية داعمة لتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ومشجعة لتبنى التكنولوجيات الجديدة.

كما أن توسيع وتحسين شبكات الأمان الاجتماعى أمر حتمى لحماية الشرائح الضعيفة من السكان من التداعيات المباشرة للإصلاحات والتكيفات الاقتصادية. فمعدلات التضخم والبطالة المتفاقمة بسبب التعديلات الهيكلية والصدمات الخارجية، أثرت على استقرار الأسواق والمستوى المعيشى للمواطن المصرى. وعلى هذا النحو، فإن التدخلات الاجتماعية لتوسيع نطاق التغطية، وتدعيم آليات التنفيذ، وضمان كفاية الدعم، يمكن أن تساهم فى الحفاظ على التماسك الاجتماعى خلال الفترات الانتقالية.

نأتى إلى محور إدارة الديون المتنامية وضمان الاستدامة المالية. إن عبء الديون المتزايد، إذا لم تتم إدارته بمنهجية وحكمة، يمكن أن يعيق الآفاق الاقتصادية. وهو ما يتطلب تبنى خطط واضحة لإدارة الديون، إلى جانب الانضباط المالى وتحديد أولويات النفقات المعززة للنمو، وكعنصر ضرورى للحفاظ على الاستقرار الاقتصادى وثقة المستثمرين. ومن الأهمية أن تشمل الخطط استكشاف الخيارات وفرص إعادة هيكلة الديون، وتحسين تحصيل الإيرادات، وترشيد الإنفاق العام بهدف تخصيص الموارد المالية لمشاريع التنمية عالية التأثير.

وأخيرا، يُشكل إعطاء الأولوية للتعليم وتنمية المهارات أمرًا أساسيًا لمعالجة عدم التطابق البنيوى فى سوق العمل. فالقوى العاملة المتعلمة والماهرة حجر زاوية فى الاقتصاد الحديث. ولا بد من دراسة تخصيص ميزانيات استثمارية لقطاع التعليم والتدريب المهنى ومبادرات التعلم المستمر، وخاصة لفئة الشباب، لتزويدهم بالمهارات والكفاءات اللازمة لتحقيق النجاح فى سوق العمل المتغير والتنافسى. ومن شأن تشجيع الشراكات بين المؤسسات التعليمية والصناعات لمواءمة المناهج الدراسية مع احتياجات السوق أن يزيد من قابلية التوظيف والإنتاجية.

هذه التوصيات هى عناصر حاسمة لدعم الإصلاحات الهيكلية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص والاستعادة التدريجية لاستقرار الاقتصاد الكلى لضمان التنمية المستدامة والرخاء لجميع المصريين.