القاهرة
المصدر: جريدة الوفد
أ.د. علي محمد الخوري
لا يُمكن المبالغة فى تقدير دور الشركات الصغيرة والمتوسطة فى الاقتصاد المصرى، إلا أن إمكاناتها غالبًا ما تحجبها العديد من التحديات النظامية والتشغيلية التى لا تتطلب سياسات حكومية فحسب، بل تتطلب أيضاً إعادة تفكير استراتيجى من داخل القطاع نفسه، لحل المشكلات التى تواجهها، وتحسين كفاءتها الإنتاجية، والابتكار فى منتجاتها وخدماتها. البصمة الاقتصادية للشركات الصغيرة والمتوسطة فى مصر كبيرة، حيث تسهم بحوالى 43% من الناتج المحلى الإجمالى الوطنى وتوظف أكثر من 75% من القوى العاملة. تؤكد هذه الأرقام على الدور المحورى الذى يلعبه القطاع فى الاستقرار الاقتصادى والنمو وإمكاناته كمحفز للحد من البطالة وتعزيز الرفاهية المجتمعية. ولكن قُدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على تحويل المشهد الاقتصادى تعوقها مجموعة من التحديات المُستمرة خاصة فى الوصول إلى التمويل، حيث تكافح العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة لتأمين رأس المال اللازم للتوسع والابتكار. كما أن أسعار الفائدة المرتفعة والمتطلبات الصارمة التى تفرضها المؤسسات المصرفية التقليدية غالبًا ما تجعل الشركات الصغيرة مُعرضة للخطر بشكل خاص، وهو ما يعيق النمو والابتكار فى هذا القطاع، بالإضافة إلى ذلك، تُشكل البيروقراطية والبيئة التنظيمية التى يجب على الشركات ورواد الأعمال المرور بها عبئًا ثقيلًا، إذ تستنزف مواردهم وتحول تركيزهم من الأنشطة التجارية الأساسية إلى الامتثال الإدارى. وبالتالى فإن الحاجة إلى الإصلاح التنظيمى هى مسألة واضحة لتبسيط الإجراءات والحد من الروتين البيروقراطى وتسريع نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة القائمة وتشجيع ظهور الشركات الجديدة.
ويُمثل التكامل التكنولوجى محورًا مهمًا آخر لتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة. فالاقتصاد العالمى يعتمد بشكل متزايد على التحول الرقمى، والشركات الصغيرة والمتوسطة المصرية ليست استثناءً. إن الافتقار إلى البنية التحتية الرقمية والخبرة يحد من قدرة هذه الشركات على المنافسة على نطاق عالمى، والوصول إلى أسواق جديدة، وتبسيط عملياتها، ولذلك، فإن الاستثمار فى القدرات الرقمية، بدءًا من الوصول السريع والموثوق إلى الإنترنت، إلى منصات التجارة الإلكترونية والأنظمة التكنولوجية المؤسسية، أمر بالغ الأهمية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة على دفع المسار التنموى والاقتصادى مرتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرته على الابتكار والتكيف. وهنا تظهر أهمية إنشاء نظام بيئى داعم للابتكار لدفع القطاع إلى الأمام من خلال الحوافز الضريبية للبحث والتطوير، والشراكات مع المؤسسات الأكاديمية، وبرامج حاضنات الشركات الناشئة. ومن الممكن أن تساعد مثل هذه المبادرات الشركات الصغيرة والمتوسطة على الارتقاء فى سلسلة القيمة والاستفادة من قطاعات السوق الأكثر ربحية على الصعيدين المحلى والدولى.
وينبغى بالتزامن مع كل ذلك أن يتبنى صناع السياسات استراتيجيات متعددة الأوجه تعالج هذه القضايا بشكل شامل؛ لتشتمل على إصلاح الأطر المالية والتنظيمية لدعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، والاستثمار فى رأس المال البشرى والبنية التحتية التكنولوجية لتعزيز قدرة هذا القطاع للمنافسة واكتساب المرونة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز ثقافة الابتكار والاستدامة داخل الشركات الصغيرة والمتوسطة يمكن أن يدعم تأثيرها على الاقتصاد والمجتمع ككل.
عامةً، وعلى الرغم من أن التحديات التى تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة فى مصر كبيرة، فإن فرص التحول أكبر. ومن ثم فإن اتباع نهج مُنسّق يتضمن إصلاح السياسات وبناء القدرات والابتكار يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة لإمكانات الشركات الصغيرة والمتوسطة للمساهمة بشكل أكبر فى الرخاء الاقتصادى والتنمية الاجتماعية فى مصر. وذلك يستوجب من الحكومة والقطاع الخاص والشركاء الدوليين التعاون لإعادة تصور وتنشيط هذا القطاع الحيوى، ووضعه فى قلب الاستراتيجية الاقتصادية لمصر.
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |