عانت الأمة العربية عبر تاريخها الحديث من كبوات وإخفاقات بدءاً من الحقبة الاستعمارية وما تلاها من حروب خارجية وداخلية فرضتها ظروف دولية ومحلية خلقا واقعا متراكما من الإحباطات التي انعكست في حالات تذمر شعبية ومؤامرات دولية مستفيدة من هذه الإخفاقات، وهو ما أوصل العالم العربي منذ حوالي السبع سنوات الماضية لحالة تذمر عامة واضطرابات أمنية عنيفة اصطلح عليها بمسمى الربيع العربي، وهي المرحلة التي مازالت فاعلة حتى هذه اللحظة ببعض الدول العربية، ويعاني منها الملايين سواء بالدول المتعرضة لهذه الأزمات أو الدول العربية الأخرى ولا سيما المتأثرة كدول الجوار.
التخطيط الاستراتيجي
ومن هنا فإنه يتعين على القيادات العربية أن تتبنى استراتيجيات فعالة ذات أثر عاجل واستراتيجي لمعالجة واستيعاب آثار هذه المرحلة والاستعداد لما يليها من مراحل إعادة البناء والإعمار. ولا بد للخطط الاستراتيجية أن تراعي المحاور الأمنية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية بنهج شمولي وتكاملي وكوحدة متكاملة.
ومن الأهمية أن يتم التركيز في هذه الخطط على بناء منظومة نتائج براجماتية محورها المواطن العربي، أي أنه ولكسب المصداقية لدى الشارع العربي ونيل الولاء الجماهيري والزخم الشعبي، لا بد أن تشتمل الحلول المطروحة على مبادرات عملية ذات أبعاد نفعية ملموسة وعاجلة وتظهر بسرعة للعيان. كما يجب أن تحمل الحلول في تلك الخطط للمواطن العربي رسالة واضحة وقوية تؤكد أنها صممت من أجله ومن أجل استقراره كي يتفاعل معها وتغدو ميدانا للالتقاء معه بعد أن كانت الأوضاع الاقتصادية أحد أهم أسباب السخط الشعبي والغضب التي لا يجب أن نسمح لهذه الظروف السيئة بالعودة مرة أخرى.
ممكنات التنمية المستدامة في البلدان العربية
الأمر لم يعد اختيارا
ما كان اختيارياً بالأمس أضحى ضرورة اليوم، فضرورة إعادة البناء سترفع مستوى جرأة صانعي السياسات والقرارات وتدفعهم نحو تبني سياسات وإجراءات توصل الواقع العربي الحالي نحو التغيير الجذري العميق وتخلق قابلية لدى الشعوب لتتحمل فاتورة إعادة البناء خروجا من عنق الزجاجة وتطلعا لواقع أفضل ومستقبل مشرق منافس يتيح للأجيال القادمة الاستفادة من تلك الخطط والبرامج ولينهي صفحة مؤلمة من التاريخ العربي التي حفلت بالكثير من الخسائر والأضرار المادية والمعنوية وتنظر للغد بشكل أكثر إشراقا وتتوقع الأفضل.
الواقع الحالي يفرض على القادة والحكومات والسياسيين والاقتصاديين العرب واقعا ملزماً للعمل على حل المشكلات وأسبابها وإيقاف النزيف الأمني والخسائر البشرية والمادية والمعنوية من أجل الدخول لمرحلة ما بعد الاستقرار وبدء إعادة البناء والإعمار تستهدف التطوير الشامل في الدول العربية، ولا سيما المتأثرة بهذه الموجة التي شغلت العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
دور تقنيات الثورة الصناعية الرابعة
التكنولوجيا اليوم بمثابة الترس الرئيسي الذي يدير عجلة التنمية المستدامة. ومن الواجب على الدول العربية دراسة قدرات التكنولوجيا الحديثة المعروفة اصطلاحا بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتوظيفها كأداة لتحقيق أهداف إعادة البناء والإعمار، ولا سيما آليات وأدوات الاقتصاد الرقمي وأثره على برامج إعادة الإعمار.
التكنولوجيا اليوم هي أفضل الأدوات الممكنة لبناء الاقتصادات بالدول الكبرى، والدول النامية أكثر احتياجا لهكذا تكنولوجيا من أجل تسريع وتمكين قدرات الدول على إعادة هيكلة نظمها الإدارية والمالية والاقتصادية نظرا لقدرتها الشمولية على الوصول بسهولة وسرعة لكافة أرجاء الدولة ولكافة السكان بسهولة وخاصة إذا ما تم مقارنتها بالوسائل الأخرى.
أي أنه ينبغي أن يتم استغلال التكنولوجيا في تعزيز البنى التحتية لتطوير قطاعات الخدمات الصحية والاجتماعية والحكومية والصناعية والزراعية وغيرها، لا سيما بعض التطبيقات الحديثة الحالية في توفير الغذاء والطاقة وتوفير المياه.
سيمفونية الأداء المشترك
ثم بالتزامن مع كل ذلك، على الدول العربية أن تعمل على تمكين تفعيل وتكامل الخدمات الحكومية مع بعضها البعض ومع القطاع الخاص. ولا بد أن من مراعاة تصميم تصور معتمد ليس فقط على تقديم الخدمات للموطنين بل ومساعدتهم في تحسين جودة حياتهم ورفع كفاءتهم، وليكون الدور الذي تلعبه الخطط الاستراتيجية إيجابيا وبناءاً وموافقا لحركة التقدم العالمية.
وبشكل عام، لا بد للدول العربية أن تعمل على تفعيل الأدوار المختلفة لكل الأطراف المشاركة مثل المؤسسات الحكومية والجهات التشريعية والمستثمرين والقطاع الخاص والأكاديميات والجامعات والبحث العلمي، ومن الأهمية أن تتبع نهجا علمياً مدروسا في التخطيط الاستراتيجي لتشجيع الجهات الممولة والمستثمرين على الاستثمار الآمن وضخ الأموال في شرايين الاقتصاد العربي ولغايات إعادة الهيكلة والإعمار.
التكامل الاقتصادي العربي
التكامل الاقتصادي العربي فرض عين، لم نحسن استغلاله بالماضي، فهو يفسر ضعف وتراجع الحالة الاقتصادية والاجتماعية العربية الحالية، وليس بعيدا أن نستنتج أن تراجع قدرة مشاريع التكامل الاقتصادي العربي عن الوصول لمقاصدها قد ساهمت في عجز العديد من الدول العربية في تقزم قدراتها الاقتصادية وعجزها عن تلبية طموحات شعوبها مما كان أحد مبررات خروجهم في ثورات وقلاقل وأتاحت الفرصة للمتربصين لإذكاء الغضب وتحريك المجموعات الغاضبة لتزيد النار اشتعالاً.
فلا بد من اكتشاف طرق جديدة ودراسة ما أوجدته ووفرته الثورة الصناعية الرابعة وتوظيفها لتعظيم القدرات البشرية والانسانية واستحضار التكامل العربي مرة أخرى ليكون في موقعه بمقدمة أولويات الدول العربية شعوبا وحكومات.
الدول العربية أمامها فرصة كبيرة لتعزيز اقتصاداتها الوطنية وزيادة الجاذبية الاستثمارية، وخدمة مواطنيها وتحسين ظروفهم المعيشية وهو ما يستدعي في خلاصة التخطيط الاستراتيجي من أجل التحول إلى اقتصاد رقمي قائم على المعرفة ومرتكز على الإبداع والابتكار برؤية متوسطة المدى لتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للمواطن العربي، وتستهدف حماية مستقبل الأجيال المقبلة على المدى البعيد.
د. م. علي محمد الخوري
مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية ورئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |