أبوظبي
المصدر: مفكرو الإمارات
أ.د علي محمد الخوري
في عصر يتَّسم بالاضطرابات الاقتصادية، وعدم استقرار الخريطة الجيوسياسية، يبرز مشروع “رأس الحكمة” في مصر بصفته نموذجًا للتعاون الاستراتيجي والابتكار الاقتصادي. ويعكس هذا المشروع الضخم عُمق الشراكة بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر في خضمّ سياق اقتصادي عالمي مملوء بالتحديات، ويُمهّد لمشهد اقتصادي تحويلي في المنطقة يضع معايير جديدة للتنمية الإقليمية والشراكات الدولية.
ويمثل مشروع “رأس الحكمة” في جوهره قفزة جريئة نحو المستقبل بتكلفته البالغة 150 مليار دولار؛ ويُعَد معلمًا تاريخيًّا فارقًا في الوطن العربي، وخروجًا عن المألوف في خطط التنمية الاقتصادية والابتكار والتنويع. وما يميز المشروع هو المساحة الشاسعة المقدَّرة بنحو 170.8 مليون متر مربع، والمُخصصة لتطوير بنية تحتية بمستويات عالمية، وكذا المراكز السياحية، والمجمعات التكنولوجية والتعليمية، والمؤسسات التجارية. ويؤكد حجم المشروع وتنوعه الرؤية الاستراتيجية الوطنية الساعية إلى تحفيز النمو الاقتصادي الوطني، وتدعيم أسس التنمية المستدامة، وتحسين مكانة مصر ومرونتها الاقتصادية.
الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية
تتعدَّد الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية لـمشروع “رأس الحكمة”، وتتجاوز مفاهيم الشراكة التقليدية والمعاملات المالية؛ إذ يحفز المشروع الاقتصاد المصري بالاستفادة من الموقع الاستراتيجي والتراث الثقافي الغني للمنطقة المقام عليها، وتحويله مركزًا للسياحة والتكنولوجيا والتجارة. وتَعِد الخطة المُعلنة للمشروع، التي تشمل إنشاء مناطق سكنية وفنادق عالمية وصناعات تقنية ومُدن أعمال، بتأسيس نظام بيئي مستدام مُرتكز على الابتكار؛ ويُتوقَّع أن يسهم ذلك كثيرًا في الناتج المحلي الإجمالي لمصر، ويُوجد الآلاف من فرص العمل، ويعزز مكانة مصر على الساحة الاقتصادية العالمية؛ كما أن الاستثمارات المباشرة لدولة الإمارات -البالغة قيمتها 35 مليار دولار- من شأنها أن تسهم في تحسين المؤشرات الاقتصادية، وتحفيز المزيد من الاستثمارات العربية والدولية.
الاستدامة البيئية والتأثير الاجتماعي
تماشيًا مع أهداف الاستدامة العالمية؛ فإن تصميم مشروع “رأس الحكمة” يتميز بتركيزه الكبير على البنية التحتية والتكنولوجيا الخضراء لتقليل البصمة البيئية؛ فدمج التقنيات الخضراء، ومصادر الطاقة المتجددة، وأنظمة الإدارة المستدامة للمياه، والتخطيط الحضري المُستدام، سيُخضِع عملية التطوير لمعايير جديدة في التنمية الصديقة للبيئة بمصر والمنطقة.
وإلى جانب الأهداف الاقتصادية والبيئية يسعى المشروع إلى تدعيم محور تنمية المجتمع، وإفادة السكان عن طريق فرص العمل الجديدة، والمشروعات المحلية؛ ومن شأن المؤسسات التعليمية ومرافق الرعاية الصحية والمراكز الثقافية، التي ينطوي عليها المخطط الرئيسي للمشروع أن تدعم جهود تنمية رأس المال البشري في مصر. ولا شكَّ في أن وجود مثل هذه المرافق مكون أساسي لتحسين الظروف المعيشية وجودة حياة المجتمع المحلي.
التحديات والمخاطر
الطبيعة الطموحة لـمشروع “رأس الحكمة” ستأتي -بلا شك- تحمل تحديات ومخاطر في ظل المسعى الواسع النطاق؛ ولذا يُعد وجود أطر شاملة لإدارة المخاطر مسألة ضرورية لضمان استكمال المشروع، وتجاوز السيناريوهات المحتملة للتقلبات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية التي ترسمها التقارير الدولية. ولا بدَّ أن يراعي إعداد الأطر إشراك جميع الشركاء المعنيين في صياغة الاستراتيجيات والخطط التنفيذية؛ وكذلك يجب أن تعتمد المنهجيات المرحلية للمشروع على أُسس متينة تضمن الحوكمة والشفافية، والتخطيط المالي المرن للتكيف مع المتغيرات وتعظيم تأثير المشروع. وينبغي التركيز على التحليل المستمر لسير الخطط الموضوعة، والحوارات المفتوحة بين جميع الشركاء المعنيين لاستبصار المعوقات، وتجاوز التحديات، والتزام تحقيق الأهداف المشتركة.
كما يُعد إشراك المجتمعات المحلية في المشروع عاملًا حيويًّا لضمان نجاحه في المدى الطويل. ومن الممكن أن تخفف السياسات الداعمة للتوظيف المحلي، وتنمية المهارات، والمشاركة المجتمعية مخاطر التفاوتات الاجتماعية، وتضمن توزيع فوائد المشروع على نطاق أوسع. ولا ينبغي إغفال الدور الذي تؤديه مبادرات تنمية المهارات والتدريب المهني في تجهيز القوى العاملة المحلية للمشاركة في المشروع والاستفادة منه.
الاعتبارات الاستراتيجية لصنّاع القرار
بالنسبة إلى صنّاع القرار والمستثمرين؛ فإن مشروع “رأس الحكمة” يبيّن أوجُهًا وأبعادًا جديدة للتعاون الدولي والرؤى الاستراتيجية لتعزيز مرونة الأنظمة الوطنية، وقدرتها على التكيُّف ومواجهة التحديات الاقتصادية العالمية؛ ولهذا يتعدى المشروع كونه مبادرة اقتصادية، ويمثل رمزًا للأمل في عالم مملوء بالتحديات.
ويقع على عاتق صانعي السياسات والجهاز التنفيذي مسؤولية تقديم مُخطط مُقنع، وتحقيق نتائج ملموسة تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، والاستدامة البيئية، والعدالة الاجتماعية. ويتعين إدراك الدور الذي يمكن أن يؤديه المشروع في دفع عجلة التنويع الاقتصادي، ووضع معايير جديدة للاستثمارات المستقبلية في مصر والمنطقة العربية؛ وكل ذلك يتطلَّب أن يظل التركيز على تسخير قوة التعاون الدولي لإعادة تعريف مفاهيم التنشيط الاقتصادي، وتحقيق النمو المستدام، وسط مشهد عالمي مُتقلب يسوده الغموض وعدم اليقين.
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |