القاهرة
المصدر: جريدة الوفد
أ.د. علي محمد الخوري
تواجه مصر مجموعة من التحديات المعقدة فى سعيها لتحقيق الأمن الغذائى، وهذه التحديات تزداد تعقيدًا فى ظل الأزمات العالمية الراهنة. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التى تبذلها الحكومة المصرية، فإن العديد من العقبات تظل تؤثر على هذه المساعى.
أحد أبرز التحديات هو نقص الموارد المائية. مصر تعتمد بشكل كبير على نهر النيل، الذى يمدها بحوالى 53 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، وهو ما لا يكفى لتلبية الاحتياجات الزراعية والاقتصادية والبشرية فى ظل النمو السكانى السريع وتغير المناخ. تحتاج مصر إلى أكثر من 50 مليار متر مكعب إضافية لتلبية متطلبات التنمية الزراعية والخروج من دائرة الفقر المائى. استمرار نقص المياه سيؤدى إلى تقليل المساحات المزروعة وانخفاض الإنتاجية الزراعية، وسيعيق تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية للسكان.
ثم أن ظاهرة التصحر تفاقم المشكلة، حيث تفقد التربة خصوبتها نتيجة سوء إدارة الموارد الطبيعية والتغيرات المناخية، وتقلل من قدرة الأرض على الإنتاج الزراعى. مصر تعتمد بشكل كبير على استيراد الحبوب والزيوت والسلع الغذائية الأخرى، وذلك يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية ويزيد من مخاطر الأمن الغذائى.
التحديات لا تقتصر على الموارد الطبيعية فقط، بل تشمل أيضًا ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعى. المزارعون المصريون يواجهون ارتفاعًا فى أسعار الأسمدة والبذور والمبيدات والطاقة والعمالة، وهذا يؤدى إلى انخفاض ربحيتهم وتقليل حوافزهم للإنتاج، كما أن ضعف البنية التحتية الزراعية، بما فى ذلك أنظمة الرى والصرف والطرق والتخزين، يساهم أيضًا فى خسائر الإنتاج وهدر الغذاء.
التغيرات المناخية تضيف طبقة أخرى من التعقيد، حيث تؤثر موجات الجفاف والفيضانات والظواهر الجوية المتطرفة الأخرى سلبًا على الإنتاجية الزراعية. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن الأزمات العالمية مثل الحرب فى أوكرانيا والأحداث فى غزة تضاعف من الصعوبات التى تواجهها مصر فى تحقيق الأمن الغذائى.
الحكومة المصرية بذلت جهودًا كبيرة للتصدى لهذه التحديات، من خلال زيادة الاستثمارات فى القطاع الزراعى وتحسين تقنيات الرى وتطوير أصناف جديدة من المحاصيل. كما دعمت الحكومة المزارعين بتوفير الأسمدة والبذور بأسعار مدعومة إلى جانب خدمات التمويل بفوائد منخفضة، وعززت التكامل بين مختلف القطاعات الإنتاجية والنقل والتخزين والتسويق، كما أطلقت برامج وطنية عديدة لمكافحة الفقر وسوء التغذية من خلال توفير الغذاء للمحتاجين وتحسين الرعاية الصحية.
من الضرورى أن تنظر الحكومة المصرية إلى التجارب العالمية الناجحة فى إدارة الموارد المائية وتحقيق الأمن الغذائى. التخطيط المستدام، سواء على المدى القصير أو الطويل، يمكن أن يساهم فى زيادة الصادرات الزراعية والصناعية، ويقلل الفجوة بين الصادرات والواردات. يظهر أحدث التقارير من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع قيمة الواردات المصرية إلى 94.5 مليار دولار فى عام 2022، بزيادة قدرها 5.3 مليار دولار عن العام السابق، وهو ما يبرز الحاجة إلى استراتيجيات فعالة لتقليل الاعتماد على الواردات.
تحقيق الأمن الغذائى فى مصر يتطلب جهودًا وطنية شاملة تشمل الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى. التعاون القطاعى المشترك والعمل الاستباقى على تحويل التحديات إلى فرص هى الوسائل الرئيسية التى يمكن لمصر من خلالها التغلب على العقبات الراهنة وتحقيق نجاحات مستدامة فى المستقبل.
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |