الدعوة إلى شراكة عربية-إفريقية

...
التاريخ: 03 - 07 - 2024

أبوظبي

المصدر: مفكرو الإمارات

أ.د علي محمد الخوري

في عصر يتسم بتزايد العولمة والحاجة إلى التكامل الاقتصادي تُعَدُّ احتمالات إقامة شراكة اقتصادية عربية إفريقية ضرورةً استراتيجيةً، ويتطلب تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول العربية وإفريقيا إنشاء سوق مشتركة تضمن حرية التجارة في السلع، وتبادل الخدمات، وتدفق رؤوس الأموال؛ ويتطلَّب هذا بدوره استراتيجية واقعية وتقدمية لتحقيق هذا الهدف، واستكشاف الفرص التجارية والاستثمارية في مجالات التعاون والمنفعة المتبادلة، ويمكن للدول العربية أن تستفيد من قربها الجغرافي، والثقافي، والسياسي، من الدول الإفريقية غير العربية؛ لدعم التكامل؛ وتحقيق مستويات نمو أكثر استقرارًا، ولا سيما أن الإرث التاريخي بين العرب يكسب الطرفين مزية تفضيلية بالمقارنة مع الأقاليم العالمية الأخرى.

آفاق التكامل

تُعدُّ إفريقيا واحدة من أكبر مناطق العالم جذبًا للاستثمارات الأجنبية، بنمو استثماري سنوي بلغ نحو 11 بالمئة في السنوات العشر الماضية، ويتعين على الدول العربية أن تستفيد من الوضع العالمي الحالي، وتتعاون مع الدول الإفريقية لرسم خريطة طريق للتكامل في العديد من المجالات الاقتصادية؛ لتحقيق النمو المستدام في المنطقتين. وفي حين تسعى الدول العربية إلى تنويع أسواقها الاستثمارية؛ فإن الاتفاقية القارية الإفريقية تتطلب الاستثمار والتمويل لتحقيق أهدافها المنشودة؛ وهو ما يمكن أن يتحقق مع توجه الاستثمارات العربية إلى تنويع المحافظ المالية، ولا سيما في قطاعات مثل الزراعة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، وقطاع تنمية الموانئ، والنقل والمواصلات.

وسيؤدي تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية أيضًا إلى إنشاء سوق إفريقية متكاملة ذات نمو مطَّرد في الطلب؛ فمع التحرك القاري نحو المزيد من التكامل؛ سيوفر ذلك للدول العربية فرصًا أكبر لزيادة الصادرات غير النفطية إلى الأسواق الإفريقية.

مستقبل التجارة البينية

بناءً على ما سبق يمكن القول إن الفرص متاحة أمام نمو التجارة البينية العربية الإفريقية، ولا سيما إذا استفاد الطرفان من العلاقات التجارية الثنائية الحالية؛ لتكون نقطة انطلاق لتوسيع العلاقات الاقتصادية في المستقبل؛ فقد بلغت الصادرات الإفريقية إلى الدول العربية معدلات نمو مستقرة على مدار العقد الماضي بنسبة 8 في المئة سنويًّا. ومن جانب آخر شهدت الصادرات العربية إلى الدول الإفريقية معدلات نمو متقلبة في العقود الماضية؛ ومع ذلك فقد تميزت بتنوعها مقارنة بالصادرات العربية الأخرى إلى بقية دول العالم.

الاستثمارات الخليجية في إفريقيا

تملك دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قواعد استثمارية في إفريقيا، تقدَّر قيمتها بنحو 101.9 مليار دولار، في 628 مشروعًا، في السنوات العشر الأخيرة بين عامي 2012 و2022. وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة من بين أكبر المستثمرين في إفريقيا؛ فقد استثمر صندوق أبوظبي للتنمية نحو 16.6 مليار دولار في 66 مشروعًا في 28 دولة إفريقية؛ وقررت المملكة العربية السعودية تحويل الاستثمار إلى إفريقيا؛ معلنةً استثمارًا بقيمة 40 مليار دولار لتطوير الشراكات مع الدول الإفريقية؛ وتعزيز التجارة، وتحقيق التكامل مع إفريقيا.

توقعات نمو حجم التبادل التجاري

يمكن زيادة الصادرات الإفريقية إلى الدول العربية؛ فإذا تمكنت البلدان الإفريقية من التنويع، أمكنها تحقيق ذلك عن طريق زيادة الصادرات إلى المنطقة العربية، والحفاظ على معدلات النمو المرتفعة التي شهدتها في العقد الماضي. وسيفسح ذلك المجال أمام الدول العربية لاستقبال الصادرات الإفريقية، ولا سيما الزراعية، والمنتجات الغذائية، وهو قطاع يمثل أهمية استراتيجية للحفاظ على الأمن الغذائي في المنطقة. وستؤدي زيادة الصادرات من المنتجات غير النفطية والمعدنية من القارة إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي؛ ولذلك يمكن تعزيز العلاقة الوثيقة بين المنطقتين لتحقيق المنفعة المتبادلة، والنتائج المربحة للجانبين.

كما يمكن زيادة الصادرات العربية إلى إفريقيا عن طريق تحديد نوع الصادرات الأكثر طلبًا؛ وسيساعد ذلك على تقليل اعتماد الدول العربية على صادرات الطاقة والمعادن، والتحرك نحو مزيد من التنويع، وتوسيع قاعدة صادراتها، وتقليل مخاطر الصدمات الخارجية، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

معوقات تنفيذ التكامل

على الرغم من الفرص المتاحة في السوق الإفريقية، التي تعد حافزًا لرواد الأعمال العرب لزيادة استثماراتهم بها؛ فإن بعض المعوقات تقف في وجه هذه التوسعات الاستثمارية؛ إذ لا تزال الدول الإفريقية بحاجة إلى تنفيذ عدد من السياسات والإجراءات التي تدعم جذب الاستثمارات الجديدة، ومنها تعزيز الأطر التشريعية والقانونية لتنظيم القطاعات الاقتصادية الأساسية، وتطوير البنية التحتية اللازمة لنمو الأعمال، ومواجهة البيروقراطية، وإيجاد هياكل الأعمال الواضحة والضامنة لتوفير الأسس الاقتصادية والبنى التحتية الضرورية للمشروعات الجديدة في هذه الدول، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

دعوة إلى صناع القرار

لتحقيق الفائدة العظمى من الفرص المتاحة، والوصول إلى التكامل التجاري، يجدر بصناع القرار دمج اتفاقيات التجارة الحرة العربية الكبرى، والتجارة الحرة القارية بإفريقيا؛ من أجل خلق اتفاقية تجارة حرة شاملة، تربط بين الدول العربية والإفريقية، وتدعم الوصول إلى الأسواق في المنطقتين، ولا بد أن تركز هذه الاتفاقيات على تسهيل حركة التجارة، وإزالة الحواجز والتدابير غير الجمركية، وزيادة الشفافية، وتحسين التنسيق بشأن الإجراءات والمتطلبات الإدارية غير الجمركية، وتعديل الرسوم غير الجمركية العالية. كما يجب بحث حلول معوقات التجارة في القارة، مثل تحديات النظم البنكية، والخطوط الملاحية، والطيران المباشر، وآليات زيادة الاستثمارات، والطاقة الإنتاجية، واستكشاف الفرص التصديرية، المتاحة في المنطقتين.