القاهرة
المصدر: جريدة الوفد
أ.د. علي محمد الخوري
تشير الدراسات إلى وجود علاقة وثيقة بين تعاطي المخدرات وارتفاع معدلات الجريمة في السنوات الأخيرة، وأن المشهد العام لا يزال شديد التعقيد في ظل صعوبة تحديد طبيعة العلاقة البينية بين السبب والارتباط. الأرقام توضح أن ظاهرة تعاطي المخدرات تنتشر بشكل ملحوظ بين الشباب في المنطقة، حيث تشير التقارير إلى أن نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب تصل إلى حوالي 35% بين الفئة العمرية من 15 إلى 24 عام. أما فئة الشباب بين 25 و34 عام، فتبلغ نسبة التعاطي حوالي 28%. والمقلق هو تنامي نسبة من بدأوا في تعاطي المخدرات قبل سن 15 عام، والذي يقدر بنحو 12%.
ما توضحه الدراسات، هو أن الأفراد الذين يعانون من الإدمان يكونون أكثر عرضة للجوء إلى ارتكاب جرائم مثل السرقة والسطو لتأمين المال اللازم لشراء المخدرات، خاصة في ظل الارتفاع الكبير في تكلفة المواد المخدرة وصعوبة الحصول عليها بطرق قانونية. كما أن بعض أنواع المخدرات مثل الهيروين والكوكايين تُسبب تغييرات سلوكية ونفسية حادة قد تدفع الأفراد إلى التصرف بعنف وعدوانية، مما يزيد من احتمال ارتكابهم للجرائم. الدراسات السريرية تؤكد بأن تأثير المخدرات يفقد المدمن السيطرة على سلوكه، وارتكاب جرائم دون وعي بالعواقب.
تُساهم عوامل أخرى أيضاً في ارتفاع معدلات الجريمة، مثل الفقر والبطالة، التي تدفع الأفراد، خاصة الشباب، إلى ارتكاب الجرائم بسبب نقص فرص العمل والتعليم. الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة، مثل العيش في أحياء فقيرة أو مكتظة بالسكان، أو التعرض للعنف والإهمال في الطفولة، تساهم أيضاً في زيادة احتمال ارتكاب الجرائم. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف سيادة القانون وقلة فرص إنفاذ القانون تؤدي إلى انتشار الجريمة دون رادع.
ظاهرة تعاطي المخدرات والجريمة مُعقدة ومتعددة الأبعاد، ولا يمكن حصر أسبابها في عامل واحد فقط. ومع ذلك، فإن العلاقة بينهما قوية وواضحة، حيث تسهم المخدرات في خلق بيئة مواتية لارتكاب الجرائم بشكل أكثر بشاعة وخطورة. لذا، فإن مكافحة تعاطي المخدرات تعتبر خطوة أساسية نحو الحد من انتشار الجريمة وتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع.
تحاول الدول العربية حل هذه المشكلة والتصدي لهذه الظاهرة المتفشية، وأطلقت العديد منها حملات وطنية لمكافحة المخدرات في السنوات الأخيرة، بهدف الحد من انتشار تعاطي المخدرات ودفع المدمنين للمراكز العلاجية. تضمنت هذه الاستراتيجيات تطوير المنظومات العدلية، وتكثيف التعاون بين أجهزة إنفاذ القانون، وتوفير فرص العمل للشباب، وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وتقديم برامج التوعية والتثقيف لرفع الوعي بمخاطر المخدرات والجريمة وترسيخ القيم الإيجابية والسلوكيات السليمة بين الشباب.
نتيجة لهذه الجهود، حققت بعض الدول العربية تقدمًا ملحوظاً في تقليل نسبة تعاطي المخدرات. على سبيل المثال، انخفضت نسبة تعاطي المخدرات في بعض الدول إلى حوالي 7.5% في عام 2023، مقارنة بـ11% في عام 2014. كما شهدت بعض الدول انخفاضًا في نسبة الإدمان إلى حوالي 3% في عام 2023 مقارنة بـ4.5% في عام 2014. وقدمت الحكومات العربية خدمات علاجية متعددة للمدمنين، وزيادة عدد مراكز علاج وتأهيل مرضى الإدمان بنسبة ملحوظة في السنوات الأخيرة.
على مستوى مصر ووفقاً للإحصاءات الرسمية، انخفضت نسبة تعاطي المخدرات في مصر من 10.2% في عام 2014 إلى 5.9% في عام 2023. كما شهدت نسبة الإدمان انخفاض من 3.4% في عام 2014 إلى 2.4% في 2023. هذه النتائج جاءت بفضل الخطط الوطنية التي تستهدف زيادة الوعي وتقديم خدمات العلاج الطوعي والبرامج التأهيلية.
عامة، في الوقت الذي حققت فيه جهود مكافحة تعاطي المخدرات في بعض الدول العربية تقدماً ملحوظاً، إلا أن التحديات القائمة لا تزال هائلة. معالجة هذه القضية المتنامية قد يتطلب من جهة نهج متكامل يشمل التوعية والوقاية والعلاج وإعادة التأهيل وحلول جريئة وغير تقليدية، ولكن الأهم من ذلك يتمثل في فهم ومعالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الأفراد إلى تعاطي المخدرات. مثل هذا التحول الفكري يتطلب إعادة صياغة شاملة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تتجاوز الحلول الآنية إلى معالجة الأسباب البنيوية، ويجعل مكافحة المخدرات ليست مجرد معركة أمنية، بل خطوة نحو تنمية مستدامة شاملة تُعزز الأمن الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل.
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |