إصلاحات الدعم في مصر

...
التاريخ: 18 - 11 - 2024

القاهرة

المصدر: جريدة الوفد

أ.د. علي محمد الخوري

مع التحولات الاقتصادية العالمية وضغوطات الميزانية، تتجه مصر نحو إلغاء تدريجي لدعم الوقود والخبز كجزء من استراتيجيتها لتحقيق الاستدامة المالية. يمثل هذا القرار خطوة حيوية نحو تحسين تخصيص الموارد وخلق اقتصاد أكثر استدامة. في العام المالي 2023-2024، خصصت الحكومة المصرية حوالي 119.4 مليار جنيه لدعم الوقود، بناءً على تقدير سعر النفط بنحو 80 دولارًا للبرميل. يمثل ذلك زيادة كبيرة مقارنة بالسنة المالية السابقة حيث بلغ دعم الوقود 58 مليار جنيه، متجاوزًا التوقعات بمقدار 28 مليار جنيه. كما خصصت الحكومة 125 مليار جنيه لدعم الخبز، و147 مليار جنيه لدعم المنتجات البترولية في موازنة 2024-2025.

في سياق التوجه نحو خفض الدعم، تبقى الحكومة ملتزمة بتمويل البرامج الاجتماعية التي تعد شبكة الأمان الأساسي للأسر ذات الدخل المحدود. فقد خصصت 31 مليار جنيه لبرامج الضمان الاجتماعي والتضامن، و14.1 مليار جنيه للتأمين الصحي والعلاج الطبي، و10.2 مليار جنيه للإسكان الاجتماعي. ومع ذلك، تتزايد الحاجة إلى إعادة تخصيص الموارد بكفاءة أكبر لدعم الفئات الأكثر ضعفاً.

ومن المتوقع أن يؤدي رفع الدعم إلى زيادة أسعار النقل والسلع الأساسية، ويؤثر بشكل مباشر على تكلفة المعيشة. هذا التغيير قد يزيد من الأعباء على المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود، مع توقعات بارتفاع معدلات التضخم إلى 30٪ في عام 2024. وقد تضطر الشركات إلى رفع أسعار المنتجات والخدمات لتعويض ارتفاع تكاليف الإنتاج، مما يزيد من حدة الضغوط الاقتصادية على المستهلكين.
للتخفيف من هذه الآثار، لا بد لراسمي السياسات العمل على تصميم برامج وطنية أكثر فعالية، كالاستفادة المثلى من الموارد المتاحة، وحماية الأسر ذات الدخل المنخفض، وضمان وصول إعانات الدعم للسلع الأساسية بطريقة تضمن تحقيق أكبر فائدة بأقل تكلفة.
وقد بدأت الحكومة المصرية بالفعل العديد من التدابير للتخفيف من الآثار السلبية المحتملة لإلغاء الدعم. وشمل ذلك زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 6000 جنيه، وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي، ودعم القطاعات الاقتصادية المتضررة، والاستثمار في مشروعات البنية التحتية لتعزيز الكفاءة وخفض التكاليف.

تاريخياً، أدت إصلاحات الدعم في مختلف دول العالم إلى اضطرابات اجتماعية، بما في ذلك مصر. ومن الممكن أن تؤدي الزيادة في تكاليف المعيشة دون اتخاذ تدابير وقائية كافية إلى إثارة ردود أفعال سلبية.

من المرجح أن تؤدي زيادة أسعار الطاقة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في العديد من القطاعات الاقتصادية، وقد يؤدي إلى فقدان الوظائف وانخفاض النمو الاقتصادي. وقد تتعرض قطاعات مثل النقل والتصنيع والزراعة للخطر بشكل خاص. ولدعم هذه القطاعات، لا بد لراسمي السياسات طرح حوافز ضريبية، وتحفيز استخدام التقنيات الموفرة للطاقة، وتوفير برامج إعادة تدريب وتطوير مهارات العاملين للتكيف مع الحقائق الاقتصادية والتكنولوجية الجديدة في سوق العمل.
ويعد تطوير نظام قوي لتوزيع الدعم النقدي على المستفيدين المستحقين أمرًا بالغ الأهمية. ويجب أن يكون هذا النظام شفافًا وفعالًا لمنع سوء التصرف والاستخدام. ويمكن للتقنيات الرقمية وأنظمة الهوية الوطنية أن تعزز دقة وعدالة برامج التحويلات النقدية، ويضمن وصول المساعدة إلى من هم في أمس الحاجة إليها.

إن إدارة عملية إلغاء الدعم بعناية أمر حيوي للحفاظ على الاستقرار السياسي. عمليات صنع القرار الشاملة التي تشارك فيها كافة الجهات المجتمعية الفاعلة يمكن أن تعزز الإجماع والدعم الشعبي. ويمكن أن تساعد المشاورات المنتظمة مع منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والأطراف المعنية في معالجة المخاوف، وبناء الثقة وضمان الشفافية، وتكييف السياسات حسب الضرورة.

عامةً، من الواضح بأن الإلغاء التدريجي لدعم الوقود والخبز في مصر خطوة معقدة ولكنها بحسب المعطيات ضرورية نحو الاستدامة الاقتصادية. ولكن في خضم مثل هذه الإصلاحات الوطنية، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن لمصر أن توازن بين الحاجة إلى تحقيق الاستدامة الاقتصادية ومتطلبات العدالة الاجتماعية؟ إن تحقيق هذا التوازن يتطلب رؤية استراتيجية ملتزمة بالشفافية والتواصل الفعال مع الجمهور. هل يمكن أن تصبح هذه الخطوة نقطة تحول نحو اقتصاد أكثر عدالة واستدامة، أم أنها قد تثير تحديات جديدة؟ كما أن التساؤل الآخر هو كيف يمكن للمجتمع أن يستفيد من الابتكار الاجتماعي لتقديم حلول عملية ومستدامة لتحديات إلغاء الدعم؟ وكيف يمكن للقطاع الخاص والشركات الناشئة والمبادرات المجتمعية أن تساهم في تقديم الدعم؟ وما هي السياسات التي يجب أن تُعتمد لتحفيز هذا النوع من الابتكار؟

على صناع القرار النظر بعناية في العواقب المحتملة لكل خطوة، والعمل بتنسيق وثيق مع كافة الجهات المعنية لضمان أن تكون هذه الإصلاحات مصدرًا لتحقيق الاستقرار والنمو المنشود على المدى الطويل.