د. إبراهيم مصطفى
رئيس لجنة الاستثمار
لا تزال البيئة العالمية للاستثمار تشهد تحديات عالمية وإقليمية تؤثر على توقعات النمو وآفاقه في ظل ما يواجهه العالم من تحديات تجارية وجيوسياسية وتأثر سلاسل الإمداد ومسارات الملاحة البحرية والموجات التضخمية وارتفاع أسعار الفائدة..
فقد أشار تقرير الاونكتاد الصادر في 2024 الى انخفاض تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر العالمية بنسبة 10% في 2023 مقارنةً بـــ2022. وأشار إلى أهمية الاستثمار الصناعي كنقطة مضيئة بعد التحديات التي جاءت بها الازمات العالمية نتيجة أزمة كورونا (كوفيد-19) في 2020 وما ترتب عليها من انخفاض الانتاج العالمي وحركة التجارة العالمية والاستثمار وتأثر سلاسل الإمداد، لتأتى الحروب الإقليمية والتوترات الجيوسياسية لتلقى بظلالها سواء الحرب الروسية الاوكرانية في 2022 والحرب في غزة مع نهاية 2023 واستمرارها في 2024 لتؤثر على حركة التجارة والشحن عبر البحار وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة (وتحديداً الغاز الطبيعي) والغذاء عالمياً وإقليمياً ومحلياً، محققاً موجات تضخمية كبيرة انتقلت إلى باقي السلع ومنها ارتفاع أسعار المعادن -مثل الذهب- عالمياً.
وأشار التقرير إلى أن التحول الرقمي للحكومات شهد اهتماماً كبيراً في بيئة الاستثمار من ناحية اجراءات الدخول والتراخيص والجمارك لكونها مجالات رئيسية تؤثر على مناخ الاستثمار والتجارة الذى يركز على أربعة محاور رئيسية ( تسهيل الاجراءات “التيسير Facilitation “- الحوافز Incentives- الترويج Promotion – وتحرير بيئة التجارة والاستثمارLiberalization ) لإفساح المجال أمام نمو القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، والتأكيد على الاهتمام بتمويل مشروعات البنية الأساسية والطاقة والتنمية المستدامة والتحول الرقمي وعودة الاهتمام للاستثمار الصناعي والخدمات.
وبعيداً عن تقرير الاونكتاد، كان للعملات المشفرة نصيب من الاهتمام العالمي وشهدت قفزات في حجم التعامل بها، حيث ترتب على الأحداث العالمية التوجه لمزيد من الاعتماد على العملات المشفرة في تمويل الصفقات التجارية للدول التي تعاني من عقوبات تجارية واقتصادية، وفى ظل اهتزاز النظام المالي العالمي والحديث عن بدائل عملية، فقد نما بشكل كبير التوجه نحو العملات المشفرة وهو ما تبين أثره في عدد من العملات حيث وصل سعر البيتكوين عالمياً إلى اكثر من 109 دولارات في ظل نتائج الانتخابات الأمريكية عالمياً، وهناك توقعات بتزايد ارتفاعاته مستقبلياً، ولاسيما بعد عودة الرئيس ترامب للحكم وما بتعه من اطلاق عملته المشفرة الخاصة وكذلك اطلاق زوجته عملتها المشفرة الخاصة بها؛ ومع استعانته بفريق من رجال الأعمال مثل إيلون ماسك وآخرين ممن يعطون زخماً واستخداماً متزايداً لهذه العملات على منصاتهم الرقمية.
ولكن هذا لا يمنع من أن تصريحات الرئيس ترامب تثير القلق في شكل الاقتصاد العالمي بشأن التجارة والاستثمار؛ وتحديداً تصريحاته بشأن فرض رسوم جمركية على الصين والاتحاد الاوروبي والمكسيك وسعيه لفرض السيطرة على قناة بنما وضم كندا وحث الدول العربية على ضخ استثمارات كبيرة في الولايات المتحدة حيث طلب من المملكة العربية السعودية الوصول إلى تريليون دولار استثمارات موجهه بعد أن طلب في البداية 450 مليار دولار بين استثمارات واستيراد منتجات أمريكية للقيام بزيارة إلى السعودية كوجهة أولى، وتصريح ولي العهد بعزمه ضخ استثمارات 600 مليار دولار في السوق الأمريكية بعد ذلك التصريح. ومن قبله قيام شركة داماك الإماراتية بزيارة أمريكا ولقاء ترامب وعزمها على ضخ استثمارات بقيمة 20 مليار دولار في السوق الأمريكية.
هذا إلى جانب التدخل لوقف في الحرب في غزة وسعيه حالياً لإنهاء الحرب الروسية الاوكرانية.. وخفض الأسعار وتقوية التعامل بالدولار وفرض عقوبات على من يتخلى عن التعامل بالدولار. وتوقيعه على قرارات الخروج من منظمة الصحة العالمية واتفاقية المناخ. واهتمامه بالطاقة التقليدية النفط والغاز وسعيه للتأثير على دول أوبك.
كل هذه التوجهات سيكون لها تأثيرات (سلبية وايجابية) بشكل كبير على حركة التجارة والاستثمار في العالم قطاعياً وجغرافياً. فاستمرار فرض الرسوم الجمركية على الصين سيكثف من تحركات الصين وشركاتها على الاستثمار الخارجي في مناطق جنوب شرق آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط بحثاً عن مظلة جديدة للنفاذ للأسواق الأمريكية والأوروبية، وهنا ستزيد فرص مصر لجذب مزيد من الشركات الصينية لما لها من اتفاقيات تجارية من تلك الأسواق المستهدفة في ظل قربها من تلك الأسواق وتنافسية تكاليف الانتاج فيها وسعر العملة؛ وهو أمر تبين أثره منذ نهاية فترة ترامب الاولى وبعد انتهاء ازمة كورونا.
ولا شك أن انتهاء الحرب في غزة سيعيد حركة الملاحة البحرية إلى طبيعتها في قناة السويس أحد الموارد الدولارية الأساسية لمصر، والتي انخفضت حركة الملاحة فيها وبالتالي ايراداتها الى نحو 60-70% بسبب تلك الحرب؛ وعطلت الخدمات في الموانئ المصرية على البحر الاحمر وكذلك تأجيل بعض استثمارات الشركات في تلك الموانئ، فقد كان مخططاً لتحالف هاتشسيون (هونج كونج) وكوسكو (الصين) وCMA (فرنسا) تشغيل الرصيف المخصص لها في ميناء السخنة خلال عام 2024، وافتتاح ميناء السخنة رسيماً بعد تطويره في ذات العام أيضاً. وكذلك البدء في رفع كفاءة ميناء الأدبية وهي الموانئ الرئيسية لمنطقة السخنة الصناعية تحت مظلة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والتي أراها مركزاً إقليمياً متميزاً للتجارة والاستثمار وبوابة لإفريقيا والشرق الأوسط وفى ظل وجودها على قناة السويس التي تعد حلقة وصل استراتيجية بين القارات (قلب العالم).
وأنا أرى أن عام 2025 سيكون عاماً شديد التقلب وبه العديد من التحديات والفرص الاستثمارية والتجارية، وسيكون الرابح الأكبر من يقرأ المشهد جيداً ويجيد من تقليل أثر التحديات بتحركاته التجارية والاستثمارية، ويستغل الفرص التجارية والاستثمارية وسوف تكون مصر محط الأنظار وعليها أن تستغل ذلك لتعويض خسائرها عن الفترة الماضية بسبب التحديات الاقليمية والعالمية.
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |