الروبوتات القاتلة والواقع الجديد

...
التاريخ: 10 - 03 - 2025

القاهرة

المصدر: جريدة الوفد

أ.د. علي محمد الخوري

في عصر التحولات التقنية الكبرى، يشهد العالم تطورًا نوعيًا في التكنولوجيا العسكرية، حيث بات الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا محوريًا في تغيير ملامح الحروب كما نعرفها. من بين هذه التطورات، برزت الروبوتات القاتلة كأحد أكثر الابتكارات المثيرة للجدل، لا سيما فيما يتعلق بتداعياتها على الأمن الدولي والقيم الإنسانية. هذه الأنظمة، المصممة لاتخاذ قرارات مستقلة بشأن استهداف الأهداف العسكرية، أصبحت رمزًا لتحول عميق في أدوات الحرب وآلياتها، لكنها في الوقت ذاته تعكس خطرًا وجوديًا يتطلب مواجهة جادة وحاسمة.

التاريخ العسكري للروبوتات بدأ من مهام بسيطة مثل الاستطلاع وإزالة الألغام، لكن التقدم التكنولوجي في العقدين الأخيرين أتاح تطوير أنظمة قادرة على القيام بمهام قتالية معقدة دون تدخل بشري. الطائرات بدون طيار مثل MQ-9 Reaper أصبحت مثالًا على هذه الأنظمة، حيث تُستخدم في تنفيذ عمليات دقيقة ضد أهداف محددة، بينما تعمل دول مثل الصين وروسيا على تطوير أنظمة أكثر تطورًا قد تجعل الجندي البشري عنصرًا ثانويًا في ساحة المعركة. ومع ذلك، فإن هذا التقدم التقني يأتي محملًا بمخاطر أخلاقية وقانونية كبيرة، تجعل التساؤل عن حدود استخدام هذه التكنولوجيا ضرورة لا يمكن تجاهلها.

إن استخدام الروبوتات القاتلة يطرح تحديات غير مسبوقة. فمن ناحية، توفر هذه الأنظمة القدرة على تقليل الخسائر البشرية في الحروب من خلال تنفيذ المهام الأكثر خطورة، كما أنها تتميز بالدقة العالية في الاستهداف، ما يجعلها خيارًا مفضلًا لدى الجيوش الحديثة. لكنها من ناحية أخرى، تمثل خطرًا على المبادئ الإنسانية والقانون الدولي. فعدم قدرتها على التمييز الكامل بين المدنيين والمقاتلين في البيئات الحضرية، يجعل استخدامها محفوفًا بالمخاطر، وهو ما تؤكده تقارير المنظمات الحقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش”، التي أشارت إلى أن هذه الأنظمة قد تؤدي إلى وقوع كوارث إنسانية نتيجة القرارات الخاطئة المحتملة أو بسبب الثغرات التقنية.

الأبعاد الأخلاقية لا تقل أهمية عن المخاوف التقنية. فكرة أن تتمتع الآلات بالقدرة على اتخاذ قرارات الحياة والموت تضع العالم أمام معضلة فلسفية عميقة. من يتحمل المسؤولية إذا ما ارتكبت الروبوتات القاتلة أخطاء جسيمة؟ هل هي الدولة المصنعة، أم الجهة المشغلة، أم مطورو البرمجيات؟ غياب الإطار القانوني الواضح الذي ينظم استخدام هذه الأنظمة يرفع من حالة القلق، ويؤكد الحاجة إلى تطوير قواعد دولية جديدة تضمن استخدام هذه التكنولوجيا بما يتماشى مع القيم الإنسانية.

على المستوى الجيوسياسي، يثير انتشار الروبوتات القاتلة مخاوف من تصعيد سباق التسلح العالمي، حيث تسعى القوى الكبرى إلى تحقيق التفوق التقني في هذا المجال. هذا السباق لا يقتصر على دول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، بل يمتد إلى دول أصغر تسعى لتأمين موقعها في نظام عالمي متغير. ومع ذلك، فإن الاعتماد المفرط على هذه التكنولوجيا يفتح الباب أمام تحديات أمنية جديدة، أبرزها احتمالية تعرض هذه الأنظمة للاختراق السيبراني. السيناريو الذي قد تستولي فيه جهات معادية أو جماعات إرهابية على هذه الأنظمة ليس بعيدًا عن الواقع، وهو ما يهدد بتوسيع نطاق استخدام هذه التكنولوجيا لتشمل الأعمال الإرهابية أو الهجمات العشوائية.

في مواجهة هذه المخاطر، يبرز دور المجتمع الدولي في وضع إطار تنظيمي شامل يحد من الاستخدام العشوائي للروبوتات القاتلة. يجب أن تتضمن هذه الجهود تطوير المعاهدات الدولية الملزمة التي تفرض قيود صارمة على تصميم هذه الأنظمة واستخدامها. على غرار الجهود المبذولة لحظر الأسلحة الكيميائية، يجب أن يكون هناك توافق عالمي حول الحاجة إلى الشفافية والمسؤولية في تطوير الذكاء الاصطناعي العسكري. هذا الإطار لا ينبغي أن يقتصر على الحكومات، بل يجب أن يشمل القطاع الخاص الذي يلعب دورًا رئيسيًا في تطوير هذه التكنولوجيا.

التحديات المرتبطة بالروبوتات القاتلة تتطلب أيضًا استثمارات كبيرة في الأبحاث الهادفة لتحسين القدرة على التحكم البشري في الأنظمة القتالية، لضمان بقاء القرارات الحاسمة بيد البشر. التركيز على تطوير تقنيات قادرة على الامتثال التام للقانون الدولي الإنساني هو خطوة أساسية نحو تقليل المخاطر المحتملة لهذه الأنظمة. كما أن التعاون بين الحكومات والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني يمكن أن يساهم في تطوير حلول مستدامة لهذه التحديات.

إن النقاش حول الروبوتات القاتلة لا يتعلق فقط بالمستقبل القريب، بل بماهية الإنسانية في عصر تسيطر فيه التكنولوجيا على جوانب متزايدة من حياتنا. السؤال المطروح هو عن مدى استعدادنا لمنح الآلات سلطة اتخاذ القرارات الأكثر حسمًا في حياتنا؟ الإجابة على هذا السؤال سيحدد مستقبل الحروب، بل ومستقبل القيم الإنسانية ذاتها. في هذا الإطار، يجب أن يكون الهدف الأساسي هو ضمان أن تظل التكنولوجيا وسيلة للارتقاء بالإنسانية، وليس أداة لتهديد وجودها.