د. إبراهيم مصطفى
رئيس لجنة الاستثمار
في مارس 2018، خلال زيارتي إلى ميامي في جنوب الولايات المتحدة، ثم دبي، لفت انتباهي الرابط بين المدينتين فيما يتعلق بالتقدم في تقنيات البلوك تشين والعملات المشفرة. كانت الزيارة جزءًا من دراسة حول إمكانية دخول مصر إلى هذا المجال والاستفادة من التطورات الهائلة في عالم النقود الرقمية والمدفوعات الإلكترونية والتكنولوجيا المالية. الهدف كان عرض الفرص والتحديات على صُنّاع القرار، حيث بدت الفرص آنذاك أكبر بكثير من التحديات، خاصة في ظل عالم يحتاج إلى استغلال كل الأدوات المتاحة، سواء بشكل معلن أو غير معلن.
في ظل التوترات الجيوسياسية التي تؤثر على أنظمة المعاملات المالية الدولية، تجد بعض الدول نفسها محاصرة بالعقوبات التجارية والمالية التي تحرمها من التعامل عبر النظم الرسمية، مثل سويفت .SWIFT في المقابل، يتوسع العالم في استخدام العملات المشفرة، التي تزداد قيمتها مع مرور الوقت.
الفرص الاقتصادية الضائعة
في عام 2018، عندما بدأنا الحديث عن العملات المشفرة، كانت قيمة البيتكوين حينها تتراوح بين 10-20 ألف دولار للوحدة، واليوم تجاوزت 100 ألف دولار، حتى وإن كانت تشهد بعض التقلبات وتعود لمستويات تقارب 90 ألف دولار. تخيل حجم المكاسب التي كان يمكن لمصر تحقيقها لو أنها امتلكت رصيدًا من هذه العملات أو أصبحت مركزًا عالميًا لتداولها!
كان من الممكن أن تتحول مصر إلى نقطة عبور دولية لحركة العملات المشفرة بين الشرق والغرب، ليوفر مصدرًا ضخماً للإيرادات من رسوم المعاملات وحدها. لو تم استغلال هذه الفرصة في وقتها، لكنا اليوم في وضع اقتصادي مختلف، دون الحاجة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو زيادة الديون الخارجية لتوفير الدولار. هذه الآلية وحدها كانت كفيلة بجلب موارد دولاريه تفوق إجمالي الديون الخارجية لمصر بمراحل، وليتيح تمويل المشروعات التنموية وبناء احتياطيات ضخمة للأجيال القادمة.
الخطوات التي تمت… وما لم يتم
ما تم تطبيقه حتى الآن يقتصر على إنشاء قاعدة بيانات قوية تعتمد على تقنية البلوك تشين في العاصمة الإدارية، كمرحلة أولى أوصينا بها في عام 2018، تمهيدًا للدخول إلى عالم العملات المشفرة لاحقًا. ولا تزال الخطوات الفعلية للاستفادة من هذا المصدر الضخم للدخل الدولاري محدودة، في الوقت الذي تبنت فيه دول عديدة – بما في ذلك إقليمية وعالمية – العملات المشفرة كوسيلة للدفع والاستثمار.
اليوم، تُستخدم العملات المشفرة في إبرام صفقات تجارية ضخمة تشمل البترول، والفحم، والسلع، والخدمات، وحتى التجارة الإلكترونية. بل تطورت التكنولوجيا إلى حد ظهور ماكينات صرف آلي (ATM) مخصصة لسحب الأموال من المحافظ الرقمية، مع إمكانية إصدار بطاقات ائتمانية مشفرة تُستخدم في عمليات الشراء. أول مرة رأيت هذه التكنولوجيا كانت في دبي عام 2018، بينما لم نخطُ خطوة مماثلة في مصر حتى الآن.
دبي والريادة في جذب الاستثمارات
ليس من المستغرب اليوم أن نرى تدفق الأموال الروسية، الأوكرانية، وغيرها إلى دبي، حيث يتم استثمارها في العقارات والأنشطة المالية بعيدًا عن الأنظمة التقليدية التي تفرض قيودًا صارمة. في دبي، الجميع مستفيد – بمعادلة (Win-Win) ، بينما في أماكن أخرى، قد تؤدي سياسات الترقب والحذر إلى تفويت فرص الاستفادة من هذه التحولات المالية الكبرى..
ما الذي نحتاجه اليوم؟
التغيرات الجيوسياسية تخلق فرصًا مالية ضخمة، لكن استغلالها يتطلب رؤية استراتيجية وقدرة على ركوب الموجة في الوقت المناسب. في عالم المال والاستثمار، من يفهم قواعد اللعبة ويُحسن استخدامها، يحصل على حصة الأسد، بينما من ينتظر حتى تهدأ المخاطر، يجد نفسه أمام فرص محدودة.
مصر لديها العديد من الفرص خارج إطار الاستدانة، ولكن الاستفادة منها تتطلب جرأة في اتخاذ القرار، وتحصينه بآليات فعالة داعمة للاقتصاد. هناك أدوات تقنية متاحة، مثل التكنولوجيا المالية (FinTech)، التي يمكنها توفير موارد دولاريه ضخمة إذا تم استخدامها بذكاء، سواء من خلال الإنتاج والتصدير والاستثمار أو من خلال تبني حلول مالية جديدة مثل العملات المشفرة والبلوك تشين.
الخلاصة: مواكبة الموجة أم الانتظار؟
التوقيت هو العنصر الأهم في اتخاذ قرارات استثمارية ناجحة. فمن يواكب الموجة مبكرًا، يصل إلى نتائج أسرع ومكاسب أكبر، بينما من ينتظر حتى تستقر الأوضاع قد يجد نفسه أمام فرص أقل وعوائد محدودة.
اليوم، حتى الولايات المتحدة، التي تتحكم في النظام المالي العالمي، بدأت في تبني العملات المشفرة كجزء من احتياطاتها، بينما كانت دول أخرى، في أوروبا وآسيا، سبّاقة إلى ذلك. السؤال الذي يطرح نفسه:
هل سنكون أكثر جرأة في المستقبل؟ أم سننتظر طويلًا قبل أن نلحق بركب هذه التحولات الاقتصادية؟
* الآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر المؤلف الشخصية، ولا تعكس بالضرورة مواقف أو سياسات الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي.
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |