رقية الدرهم: الاقتصاد الرقمي العربي يشهد تحولاً تاريخياً

...
التاريخ: 21 - 05 - 2025

دبي

شددت معالي رقية الدرهم، وزيرة الاقتصاد الرقمي السابقة في المملكة المغربية، ورئيسة اللجنة التنفيذية في مجلس إدارة الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، على أن “التحول الرقمي يمثل اليوم أحد أهم أدوات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، وذلك خلال كلمتها في الجلسة الافتتاحية التي ألقتها في اليوم الثاني من مؤتمر سيملس الشرق الأوسط 2025 المنعقد بدبي.

وقد استعرضت معاليها خلال كلمتها التجارب الناجحة لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والمغرب، باعتبارها نماذج رائدة في بناء اقتصاد رقمي قوي ومتنوع، مشيرة إلى أن هذه الدول لم تكتفِ عند تبني استراتيجيات طموحة بل عملت على تحويلها إلى واقع ملموس عبر استثمارات مباشرة في البنية التحتية الرقمية، والتعليم، والابتكار، والأطر التنظيمية.

الإمارات: نموذج عالمي للقيادة الرقمية

أشادت معالي رقية الدرهم بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أصبحت خلال سنوات قليلة نموذجاً رائداً للقيادة الرقمية على مستوى العالم. وأشارت إلى أن هذا التقدم لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة سياسات مدروسة بدأت منذ أكثر من عقد، ومن أبرزها رؤية الإمارات 2021 واستراتيجية الحكومة الرقمية 2025.

وأشارت إلى أن ما يميز تجربة الإمارات هو الشمولية في التعامل مع التحول الرقمي، من حيث التحديث المستمر لمنظومة الخدمات الحكومية، والاستثمار في مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، وشبكات الجيل الخامس، وخلق بيئات حاضنة للشركات الناشئة. ونوهت إلى أن الاقتصاد الرقمي في الإمارات يساهم حالياً بأكثر من 9.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم في تصاعد مستمر، خصوصًا مع إطلاق مشاريع كبرى مثل مجمع الذكاء الاصطناعي الذي يهدف إلى جعل الدولة مركزاً عالمياً لهذه التقنية الحيوية.

المملكة العربية السعودية: التحول من النفط إلى البيانات

وأشارت معاليها إلى أن الاقتصاد الرقمي السعودي قصة تحول اقتصادي جريء، بفضل رؤية المملكة 2030 التي وضعت أسساً صلبة للخروج من الاعتماد التاريخي على النفط. وأشارت معالي الدرهم إلى أن السعودية اختارت التكنولوجيا كمحرك رئيسي لهذا التحول، من خلال مشاريع ضخمة مثل مدينة نيوم، وإطلاق برامج متعددة في مجال الحكومة الإلكترونية والأمن السيبراني والحوسبة السحابية.

وذكرت أن البنك المركزي السعودي (ساما) يعمل على تحويل الاقتصاد نحو المعاملات غير النقدية، بهدف الوصول إلى نسبة 70% بحلول عام 2030، وهو هدف طموح يُظهر مدى التزام المملكة ببناء اقتصاد رقمي آمن ومستدام. وأضافت أن الاقتصاد الرقمي في المملكة يمثل حاليًا نحو 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي، مع مؤشرات نمو واضحة تؤكد أن السعودية تسير في الاتجاه الصحيح.

المغرب: صعود نجم شمال أفريقيا

أما بالنسبة للمغرب، فأكدت معاليها أن تجربة المملكة في الاقتصاد الرقمي تتميز بالاستمرارية والتركيز على العدالة الاجتماعية، من خلال استراتيجية “المغرب الرقمي” التي تم تطويرها وتوسيعها لتشمل جميع المناطق. وأشارت إلى أن الدولة تسعى لتحويل التكنولوجيا إلى أداة لتمكين الشباب وخلق فرص عمل، وليس فقط كوسيلة لتحسين الكفاءة الحكومية.

 

وأوضحت أن الدار البيضاء والرباط أصبحتا مركزين للابتكار الرقمي، وأن قطاع الاستعانة بمصادر خارجية وتكنولوجيا المعلومات أصبح مصدر دخل رئيسي للبلاد. وأشارت إلى أن الاقتصاد الرقمي في المغرب يسهم بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي، مع إمكانات كبيرة للنمو إذا توفرت الاستثمارات اللازمة في البنية التحتية والمهارات الرقمية.

التحديات المشتركة بين الدول الثلاث

ورغم التقدم الملحوظ، لم تغفل معالي الدرهم تسليط الضوء على التحديات التي تواجه هذه الدول، والتي تشمل:

  • الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية.
  • الحاجة إلى تعزيز التعليم الرقمي ودمجه في المناهج الدراسية.
  • ضرورة تحديث التشريعات المتعلقة بالبيانات والخصوصية والأمن السيبراني.
  • الاستثمار في تطوير المهارات الرقمية لدى القوى العاملة الشابة.

وشددت على أن الحل لا يكمن فقط في زيادة الاستثمارات، بل في بناء سياسات رقمية شاملة تستند إلى التعاون الإقليمي، ومشاركة القطاع الخاص، وتمكين المرأة والشباب من الفرص المتاحة في الاقتصاد الرقمي.

الرؤية المستقبلية: بناء شراكات رقمّية عربية

في ختام كلمتها، دعت معالي رقية الدرهم إلى التعاون بين الدول العربية في مجال الاقتصاد الرقمي، وقالت إن “الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي يعمل بجدية على تقديم الدعم الفني والمؤسسي لبناء شراكات رقمية بين الدول العربية، ونقل الخبرات الناجحة من دولة إلى أخرى.”

وأضافت: “إن مستقبل المنطقة لن يكون بعيدًا عن التكنولوجيا، وإذا أردنا أن نبني اقتصادًا عربيًّا تنافسيًّا ومستدامًا، فعلينا أن نجعل من التحول الرقمي أولوية استراتيجية، ونستثمر في الإنسان قبل الاستثمار في الآلات.”

رابط فيديو الكلمة :