تقع التجارة بموقع القلب من الاقتصاد، وهي من أقدم المهن البشرية. وترمز للمكان – أي السوق – الذي تتم فيه عمليات البيع والتفاوض والشراء.
وهي تلك المهنة أو الصناعة التي تطورت بدءاً من مفهوم المقايضة بين السلع و المنتجات والخدمات، حتى دخول النقود كوسيلة حديثة للتبادل التجاري، والتي تمثل القيمة الاقتصادية للمنتج أو الخدمة. وسنتعرض في هذه المقالة، وفي إطار سلسلة المقالات المرتبطة بمقومات الاقتصاد الرقمي وعن أحد أهم مرتكزاته، وهو التجارة الإلكترونية.
تقع التجارة بموقع القلب من الاقتصاد، وهي من أقدم المهن البشرية. وترمز للمكان – أي السوق – الذي تتم فيه عمليات البيع والتفاوض والشراء. وهي تلك المهنة أو الصناعة التي تطورت بدءاً من مفهوم المقايضة بين السلع و المنتجات والخدمات، حتى دخول النقود كوسيلة حديثة للتبادل التجاري، والتي تمثل القيمة الاقتصادية للمنتج أو الخدمة. وسنتعرض في هذه المقالة، وفي إطار سلسلة المقالات المرتبطة بمقومات الاقتصاد الرقمي وعن أحد أهم مرتكزاته، وهو التجارة الإلكترونية.
حتى وقت قريب كانت الأسواق هي الموقع الجغرافي الذي يتواجد فيه عملياً البائع أو المنتج، سواء كان فرداً أو شركة. وليتمكن البائع من بيع منتجاته، فإنه ينتظر بموقعه مجيء المتعامل للشراء وأحياناً يتحرك البائع لموقع تواجد المتعامل ليعرض عليه بضاعته وخدماته، وفي الحالتين كان اللقاء بين البائع والمشتري لقاءا حقيقياً، وتتم المعاينة والاتفاق بينهما بشكل شخصي.
ومع تطور الاتصالات الإلكترونية في مطلع الخمسينيات، ظهرت أدوات أخرى للتواصل بين الناس وعلى رأسها الهاتف والفاكس ثم أنظمة تبادل البيانات الإلكترونية (Electronic Data Interchange – EDI) كوسائل للتواصل والمفاوضات والاتفاق والتعاقد في الأعمال التجارية، ولكن غالباً ما اقتصرت هذه الوسيلة على المعاملات بين الشركات.
ومع إقرار التشريعات والقوانين لهذه القنوات التجارية التي أصبحت تنظم العلاقات وحقوق الأطراف، بدأت كثير من المؤسسات كالمصارف والبنوك بتقديم خدماتها لتفعيل هذه الآليات التجارية والانتقال من تبادل المستندات الورقية إلى تبادلها إلكترونياً، لا سيما أن العمليات التجارية عادة ما تتطلب تبادل معلومات كثيرة مثل: (تفاصيل السلعة أو المنتج والاشتراطات الخاصة بها، وتاريخ التوريد والمواصفات الفنية، والقيمة السعرية، وشروط الدفع، والمتطلبات القانونية مثل شهادة المنشأ وبوليصة الشحن والتأمين، وغيرها).
وقد ساهمت تكنولوجيا الاتصالات في هذه المرحلة الأولى في تخفيض التكاليف، وتوفير الوقت، ورفع الميزة التنافسية، وقللت؛ بل وفي أحيان كثير حَدَّت، من ضرورة التواجد الفعلي بين البائع والمشتري، وساهمت في توسيع حجم السوق والفرص المتاحة للباعة. وكان هذا الإنجاز بمثابة ثورة في قدرة البشر على التبادل التجاري والاستيراد والتصدير، والتي ساعدت بشكل كبير على تعزيز المبادلات التجارية والتجارة بشكل عام وخاصة تلك العابرة للحدود.
ومع ظهور الانترنت، بزغ نجم التكنولوجيا الرقمية، وكانت التجارة مع موعد جديد وثورة جديدة في مفهوم التجارة ومفهوم السوق، والتي أزالت الحواجز الجغرافية والحدود، ومهدت لمفهوم العالم الافتراضي بسوق واحد في قرية صغيرة. فعلى عكس ما كان سائداً بالماضي على محدودية السوق بموقعه والحجم المتاح من المتعاملين الذين يمرون عليه، إلا أنه ومع السوق الإلكتروني، فإن حدوده نظرياً هي تعداد سكان العالم، فبالإمكان شراء أي منتج أو خدمة من أي مكان في العالم، ومن خلال خطوات بسيطة، وإتمام الدفع بخيارات إلكترونية سهلة ومختلفة، وأصبح الوصول إلى هذا السوق لا يتطلب سوى هاتف محمول أو جهاز متصل بالإنترنت. وبلغة أخرى، أصبح السوق متاحاً لنا في جيوبنا!
الحلقة السادسة – التجارة الالكترونية والسوق العربي المشترك
إن التغيير الجوهري الذي أحدثته التجارة الالكترونية هي أنها مكنت المتعامل من الوصول للأسواق في أي مكان وكل مكان في العالم،
ولم يعد الأمر يحتاج للسفر أو الاعتماد على أنظمة الاتصال التقليدية والذي كان محصوراً على فئة محدودة من الشركات،
ولكننا الآن بصدد حالة فريدة مَكّنت المتعامل (الفرد العادي) من مراجعة المنتجات التي يرغب بها والاختيار من بين طيف واسع ومتنوع من المنتجات المتشابهة،
ويمكنه أيضاً التعرف على آراء المتعاملين وتقييماتهم للبائع والبضاعة بكل شفافية.
والملفت أنه في مقابل منح فرص غير مسبوقة للمصنعين والتجار لعرض منتجاتهم على قاعدة ضخمة من المتعاملين، فإنه جعل تقييمهم والمقارنة بينهم وبين منافسيهم إجراء علني وشفاف وكاشف،
وهذا ما يصب بالفعل لمصلحة المتعامل الذي مع استمرار هذه المنافسة، سيتمتع بجودة أفضل وأسعار منافسة، وأحياناً عروض وخصومات، وشروط أفضل من أجل الفوز في معركة جذب المتعامل.
وفي ظل كل ذلك، كيف يمكننا اليوم أن نصف السوق العربي للتجارة الإلكترونية، ونقارنها مع الواقع العالمي؟
حسب الإحصاءات الدولية، بلغ حجم التجارة الالكترونية عالمياً وخاصة ما بين الشركات والأفراد (Business-2-Customer – B2C) حوالي 2.6 ترليون دولار عام 2017 والمتصور أنها اقتربت من حاجز الـ 3 تريليونات دولار بنهاية العام الماضي،
علماً أن تلك الإحصاءات لا تشمل مبيعات الطيران وحجوزات الفنادق رغم أنها تشكل قاعدة كبيرة جداً من التجارة الالكترونية. وتتوقع دراسات التجارة الإلكترونية العالمية بأن تجارة (B2C) ستتخطى الـ 5 ترليون دولار خلال 3 أعوام مع استمرار التوسع في هذه التكنولوجيا وتقدم المعايير الأمنية وتزايد ثقة المتعاملين.
ولو قارنا هذه الأرقام مع الدول العربية سنجد أن حجم التجارة الإلكترونية (B2C) بالمنطقة العربية تبلغ تقريباً 30 مليار دولار؛ أي حوالي 1% من قيمة التجارة الإلكترونية العالمية مع الأفراد.
وبالنظر إلى مؤشر التعداد السكاني العربي الذي يشكل ما نسبته 5% من التعداد السكاني العالمي، يتضح معه فجوة كبيرة قد تعكس الفرصة المتاحة لنمو هذه الأسواق الإلكترونية في المنطقة العربية. فبافتراض تساوي نسبة التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية مع نسبتها من التعداد العالمي للسكان،
أي ارتفاع تجارتها الإلكترونية إلى 5% من قيمة التجارة الإلكترونية العالمية، فإن ذلك يعني أن الدول العربية تخسر ما يقارب 120 مليار دولار سنوياً، وتمثل فرصة مفقودة يمكن تحويلها من فجوة تجارية إلى فرصة وميزة اقتصادية تساهم في رواج القطاعات الإنتاجية العربية.
ومن جهة أخرى، فقد فاق حجم التجارة الالكترونية العالمية بين الشركات والمؤسسات (Business-2-Business – B2B) حاجز الثمانية تريليونات دولار بنهاية العام 2018، وهو ما يشكل ثلاثة أضعاف حجم التجارة مع الأفراد (B2C).
وعلى الرغم من أن هذا القطاع التجاري بين الشركات يُعد الأكثر نمواً، إلا أن الاقتصاديون يعتبرون بأنه مازال هناك فرص أكبر للنمو بالمستقبل نظراً لما تحمله بعض التقنيات الجديدة مثل البلوكتشين والذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة من إمكانات لم تظهر بعد يمكن أن تساهم في نمو هذه التجارة إلى آفاق جديدة.
وعلى غرار منطق “لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه،” فإننا مع تحدٍ يصعب فيه معرفة موقف التجارة الإلكترونية (B2B) في المنطقة العربية، وذلك في ظل عدم توفر أية إحصاءات عربية دقيقة عن هذا القطاع المهم. واستكمالاً لنفس المنطق، فإنه “ما لا يمكن إدارته لا يمكن تطويره،” فإننا ومع عدم وجود مؤشرات موضوعية عن حالة التجارة الإلكترونية بين الشركات في المنطقة العربية (B2B)، فلا يمكن تقييم أو مراقبة ما يمكن تطويره في نمو الأعمال التجارية.
وذلك يدفعنا هنا إلى دعوة المؤسسات الاحصائية العربية لتضمين نتائج الدول العربية في هذا المجال ونشره، وهو ما من شأنه أن يساهم في تحسين ومعالجة ما هو قاصر وتحفيز الاستثمارات ونمو هذا القطاع التجاري الاستراتيجي.
د. م. علي محمد الخوري
مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية ورئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |