القاهرة
المصدر: جريدة الأخبار المسائي
قال د. علي محمد الخوري، رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، أن الانعكاسات الدولية الراهنة والحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، والتي تطورت خلال الحرب الروسية الأوكرانية، الممتدة منذ أكثر من عام ونصف، تسببت في حدوث تطورات مهمة في التفاعلات السياسية العالمية بين الدول العظمى والكبرى حول العالم، والتي وصفها أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي في خطاب له الأسبوع الماضي بأنها «مشهد دولي جديد يعكس نهاية لنظام ما بعد الحرب الباردة»، أي نهاية للنظام الأحادي القطبية الذي تشكل بعد تلك الحرب، ويفسر ذلك الإقرار الأمريكي الرسمي بذلك التحول، سياسة الولايات المتحدة الخارجية اليوم، والتي تكشفها تصريحات وأفعال الإدارة الأمريكية الحالية، والتي تجاوزت فيها الأهداف الإستراتيجية الخارجية المعلنة للولايات المتحدة لحقبة ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية، وعلى رأسها مواجهة التمدد الصيني.
وأشار إلى المشكلة الكبرى، التي تواجه صانع السياسة الخارجية الأمريكية اليوم، تتمثل في تعدد الأهداف الإستراتيجية الخارجية الأمريكية، والتراجع عن مواقف وسياسات سابقة، وظهور أهداف مهمة جديدة، بالإضافة إلى الهدف الإستراتيجي الأساسي، فهل ستنجح الولايات المتحدة في تحقيق هذا الكم الكبير من الأهداف، في ظل تغير النظام الدولي، بكل ما يحمله ذلك من معطيات دولية جديدة؟
الأهداف الإستراتيجية التي تواجهه أمريكا لعودة السيطرة على النظام العالمي
وضعت أمريكا خلال السنوات الأخيرة الماضية، بدءاً من عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، هدفاً إستراتيجياً محدداً يتمثل في مواجهة قوة الصين الصاعدة، وتطويقها في آسيا، والتي وصفت في الوثائق الأمريكية بــــــــــ “الالتفاف نحو آسيا”. إن ذلك الالتفاف تطلب من الولايات المتحدة، في ظل ضرورة زيادة تواجد قواتها وتحالفاتها في آسيا، الانسحاب التدريجي من مناطق أخرى من العالم، خصوصاً من منطقة الشرق الأوسط، التي كرست لها الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً، سواء خلال فترة الحرب الباردة أو بعدها، وبادرت الولايات المتحدة بالفعل، وفي إطار سياسة معلنة، للانسحاب من الشرق الأوسط، فعقدت أو سعت لعقد صفقة نووية مع إيران، سواء في عهد أوباما أو بايدن، وقامت بالانسحاب من أفغانستان وقلصت وجود قواتها في العراق وسوريا، وسعت لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، بهدف خلق التكامل الأمني في المنطقة، والذي بدأ منذ عهد ترامب واستمر بقوة كهدف إستراتيجي في عهد الإدارة الحالية.
أمريكا تسعى إلى هزيمة روسيا تطويق الصعود الصيني بالعودة إلى الشرق الأوسط
وأوضح لقد أجبرت الحرب الروسية الأوكرانية الولايات المتحدة على وضع أهداف إستراتيجية جديدة، إذ تعد هزيمة روسيا اليوم في الحرب من بين أهم أهدافها، في ظل عدم تراجع أهمية تطويق الصعود الصيني العالمي المتواصل، الذي يأتي على حساب المكانة والدور الأمريكي العالمي.
وكشف الهدفين السابقين للولايات المتحدة عن أهمية منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وخاصةً دول مجلس التعاون الخليجي مع تركيز الثروة النفطية والطاقة بها وموقعها الاستراتيجي الهام اقتصادياً، وهو ما تسعى روسيا والصين خصوصاً ودول قطبية أخرى عموماً لنسج علاقات إستراتيجية خاصة ومميزة مع دولها.
وأكد إن تلك التطورات فرضت على الولايات المتحدة التراجع عن قرارها السابق بالالتفاف بعيداً عن الشرق الأوسط، فأعادت أمريكا وضع أهدافها الإستراتيجية ورسم سياساتها الخارجية بما يتناسب مع التطورات الجديدة، خصوصاً في هذه المنطقة.
أمريكا تتراجع عن مبادئها الأيديولوجية الليبرالية التي كانت تروج لها
في خطابه الأسبوع الماضي، ركّز بلينكن على محاور سياسة بلاده الخارجية، كاشفاً عن تراجع خطير في المبادئ الأيديولوجية الليبرالية التي تعد الولايات المتحدة الرائد والمروج لها على مستوى العالم، إن ذلك يذكرنا بتراجع الاتحاد السوفيتي عن المبادئ الشيوعية في نهاية عهد الحرب الباردة وسقوطه.
أبقى بلينكن في ذلك الخطاب على الهدف الرئيسي لبلاده باحتواء الصعود الصيني والتركيز على آسيا، إلا أنه تراجع عن فكرة «الالتفاف» عن الشرق الأوسط، فقد أكد بلينكن على أهمية هذه المنطقة، وضرورة الانخراط الأمريكي الدبلوماسي والأمني فيها، وذلك بهدف «تعزيز التكامل الإقليمي بقيادة الولايات المتحدة»، ومن أبرز مفارقات الخطاب في إطار الهدف السابق، تأكيد بلينكن على نية بلاده العمل مع أي دولة في المنطقة، في إيمائية بالتغاضي عن المعايير الديمقراطية، التي تشترطها الولايات المتحدة في تعاملاتها وشراكاتها. ورغم أن الولايات المتحدة تتعامل بمعايير مزدوجة ضمن ذلك المبدأ، وبشكل فاضح، خصوصاً مع إسرائيل، إلا أن التصريح رسمياً بالتخلي عن ذلك المبدأ الأصيل في الفكر الأمريكي والأيديولوجيا الليبرالية يحمل في جعبته الكثير.
أمريكا تعلن عن حرب اقتصادية على الصين عبر طرح ممر الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط.
وأكد ان طرح بلينكن في ذلك الخطاب مشروع مستقبلي بتدشين ممر بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، والذي إن تحقق، ينافس مشروع طريق الحرير الصيني، الذي تستثمر فيه الصين مالياً ودبلوماسياً منذ سنوات، ويعزز الوجود الاقتصادي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، كمنافس للصين، ويعد ذلك المشروع الذي تطرحه الولايات المتحدة ضربة أخرى لمبادئ الليبرالية التي تتبناها الولايات المتحدة كأيديولوجيا، والتي ترى أن الاقتصاد والتكامل التجاري والمالي طريق مهم لتحقيق السلام والاستقرار في العالم.
الولايات المتحدة تعلن من خلال هذا المشروع الحرب الاقتصادية على الصين، والذي يبتعد تماماً عن فكرة التكامل والتعاون الاقتصادي العالمي، وهو ذلك المبدأ الذي خضعت له وانخرطت في إطاره دول العالم أجمع، بما فيها روسيا والصين، في ظل سيادة العولمة الأمريكية، خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة، وتسيّد أمريكا كقطب منفرد على العالم.
تتعدد أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في عالم ما بعد عالم القطبية الأحادية، فبالإضافة إلى إعادة الالتفاف نحو الشرق الأوسط، باتت الولايات المتحدة تعطي اهتماماً لقارة أفريقيا، بعد أن أهملتها لسنوات طوال، خصوصاً في أعقاب تصاعد تمرد دول القارة السمراء على النفوذ الغربي، لصالح تحالفات مع الصين وروسيا وأقطاب أخرى.
كما تواجه الولايات المتحدة منزلق الحرب الروسية الأوكرانية، التي آثرت على تأجيجها لكسر شوكة روسيا وإزاحتها من عالم الأقطاب المتعددة، المهدد لتفردها القطبي، ورغم عدم دفع الولايات المتحدة لثمن مباشر لهذه الحرب الدموية، كالثمن الذي تدفعه أوكرانيا وروسيا، ودول الاتحاد الأوروبي حلفاء أمريكا المقربون، إلا أن الولايات المتحدة تدفع ثمناً أيضاً، من خلال عشرات المليارات من الدولارات وآلاف المعدات العسكرية والتي أثقلت وأرهقت ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية، وجعلت الشعب الأمريكي يتذمر، ويدعو لوقف المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا، والعودة إلى الاهتمام بالاقتصاد الأمريكي والمواطن الأمريكي، خاصةً مع الأزمات المالية الشديدة التي يشهدها الاقتصاد الأمريكي وتفشي البطالة بشكل كبير بالداخل الأمريكي، والتي أثرت بشدة على الاقتصاد الأمريكي، وجعلته فوق فوهة الخطر، خاصةً بعد وصول الدين الداخلي والخارجي مستوى الخطر ، وأصبحت أمريكا عاجزة عن دفع أقساط الدين مع مخاوف من عدم القدرة على دفع الدين، مع إعلان إفلاس للعديد من البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية والتي أثرت بشدة على الاقتصاد الأمريكي .
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |