الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي يطرح نموذج عربي للذكاء الاصطناعي

...
التاريخ: 20 - 01 - 2025

القاهرة

شارك الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي عضو المكتب التنفيذي لملتقي الاتحادات العربية النوعية المتخصصة بجامعة الدول العربية، في اجتماعات اللجنة العربية للاتصالات والمعلومات رقم (54)، التي عُقدت يومي 20 و21 يناير 2025، وناقشت التطورات الحديثة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات على المستوى العربي.

وقدم د. أيمن مختار غنيم، الأمين العام المساعد للاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، ورقة عمل بعنوان: “نحو نموذج لغوي عربي مُوَحَّد” لتأسيس نموذج عربي للذكاء الاصطناعي يعتمد على النماذج اللغوية الكبيرة والمدربة على اللغة العربية.

محاور ورقة العمل

استعرضت الورقة أهمية تطوير نموذج ذكاء اصطناعي عربي يركز على تعزيز الهوية اللغوية والثقافية العربية في العصر الرقمي. وشملت المحاور الرئيسية:

  1. إنشاء نماذج لغوية باللغة العربية: تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطوير أدوات وخدمات متقدمة تخدم المستخدمين باللغة العربية.
  2. دعم البحث العلمي والتطوير: تحفيز الابتكار من خلال تمويل المشاريع البحثية في مجال الذكاء الاصطناعي الموجه للغة العربية.
  3. التعاون العربي المشترك: وضع إطار عمل يسهل تبادل الخبرات والموارد بين الدول العربية لتطوير نموذج ذكاء اصطناعي متكامل.
  4. فرص التطبيقات العملية: استخدام الذكاء الاصطناعي العربي في مجالات التعليم، والإعلام، والترجمة، لتحسين جودة المحتوى الرقمي العربي.

خطة العمل: خطة عمل تتضمن المراحل الزمنية لتأسيس وإطلاق النموذج اللغوي ومراحل تأسيس الهيئة العربية للذكاء الاصطناعي

وأكد الأمين العام المساعد أن هذا النموذج يمثل خطوة استراتيجية للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في النهوض بالاقتصاد الرقمي العربي، بما يضمن مواكبة التطورات العالمية في هذا المجال الحيوي، وأوضح أن النموذج العربي للذكاء الاصطناعي لن يسهم فقط في تعزيز اللغة والثقافة العربية على المنصات الرقمية، بل سيشكل قاعدة قوية لدعم الابتكار والتكامل الرقمي العربي.

التوصيات الرئيسية للجنة العربية للاتصالات والمعلومات

واشتملت التوصيات الصادرة عن اجتماعات اللجنة رقم (54) للاتصالات والمعلومات، إحالة ورقة عمل الاتحاد التي عُرضت خلال الاجتماع بعنوان “نحو نموذج لغوي عربي مُوَحَّد” إلى فريق الذكاء الاصطناعي لدراسة محتواها وتحليل التوصيات الواردة فيها، بهدف دعم الجهود الرامية إلى تطوير نموذج ذكاء اصطناعي يعكس الخصوصية اللغوية والثقافية العربية.

وفي سياق آخر، تضمنت التوصيات الدعوة إلى تنظيم ورش عمل وندوات تعريفية حول “المؤشر العربي للاقتصاد الرقمي” بالتعاون مع الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، والاتحاد الدولي للاتصالات، والفريق العربي للمؤشرات. كما أوصت الاجتماعات ببحث سبل تضمين نتائج المؤشر ضمن المؤشرات العالمية، بما يعزز مكانة الاقتصاد الرقمي العربي على الساحة الدولية.

تُعد اجتماعات اللجنة رقم (54) للاتصالات والمعلومات المنصة العربية الدورية الأبرز لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل التحول الرقمي في المنطقة، حيث تجمع بين ممثلين من مختلف الدول العربية والمنظمات العربية والدولية ذات العلاقة لمناقشة أحدث القضايا الخاصة بالاتصالات ونظم المعلومات والتحديات والفرص في هذا القطاع.

فرص وآفاق الثورة الرقمية

...
التاريخ: 20 - 01 - 2025

 

القاهرة

المصدر: جريدة الوفد

أ.د. علي محمد الخوري

شهد العالم في العقود الأخيرة ثورة رقمية غير مسبوقة، أحدثت تحولات جذرية في جميع مجالات الحياة. هذه الثورة لم تقتصر على الدول المتقدمة، بل امتدت إلى العالم العربي الذي أصبح جزءًا من هذا التحول الرقمي الكبير. فمع انتشار الإنترنت والهواتف الذكية، شهدت المنطقة العربية تحولات سريعة نحو اعتماد التكنولوجيا الرقمية، وأثر ذلك بشكل كبير على المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والحكومية.

وفقًا للإحصاءات الحديثة حتى أكتوبر 2024، بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت في العالم العربي حوالي 67.5%، ليصل عدد المستخدمين إلى أكثر من 305 مليون شخص. هذا النمو يعكس التحول الكبير الذي شهدته المنطقة، ولكنه أيضًا يطرح تساؤلات عديدة حول كيفية استثمار هذه الفرصة لتحقيق التنمية المستدامة، وما هي التحديات التي يجب معالجتها لضمان مستقبل رقمي مستدام.

بحسب التقديرات فإن الاقتصاد الرقمي يساهم بحوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، مع توقعات بنمو هذه النسبة في السنوات القادمة مع ارتفاع الاستثمارات في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية. التجارة الإلكترونية، على سبيل المثال، حققت نموًا استثنائيًا في السنوات الأخيرة، حيث تُقدر قيمة هذا القطاع في دول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من 76 مليار دولار، مع توقعات بارتفاع هذه القيمة نتيجة ارتفاع معدلات استخدام الإنترنت وتبني حلول الدفع الإلكتروني. على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، يصل حجم السوق إلى حوالي 135 مليار دولار، مع توقعات نموه إلى 264 مليار دولار بحلول عام 2029.
إجمالاً، الشباب العربي، الذي يشكل حوالي 75% من سكان المنطقة، يعد من أبرز المستفيدين من الثورة الرقمية. فالتقنيات الرقمية توفر فرصًا غير مسبوقة للشباب في مجالات ريادة الأعمال والابتكار، وتساهم في خلق وظائف جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي.

وقد لعبت التقنيات الرقمية دورًا كبيرًا في تحسين الخدمات الحكومية. تتبنى الدول العربية عامةً استراتيجيات وطنية للتحول الرقمي، ساهمت في تطوير الأداء الحكومي وتقديم خدمات إلكترونية سريعة وفعّالة مقارنة بالسابق. في الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، تشير البيانات بأن استراتيجية الإمارات للبلوك تشين توفر على الحكومة 3 مليارات دولار سنويًا.

وعلى الرغم من المكاسب الكبيرة التي تعد بها الثورة الرقمية، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه العالم العربي في عمومه. من أبرز هذه التحديات هي الفجوة الرقمية. على الرغم من أن نسبة استخدام الإنترنت في المنطقة تعد مرتفعة نسبياً، إلا أن ثلثي السكان لا زالوا غير موصولين بالشبكة. في بعض الدول مثل اليمن وسوريا، تعيق الأوضاع السياسية والاقتصادية الاستثمار في تطوير وتوسيع نطاق البنية التحتية الرقمية.

الأمن السيبراني يشكل تحديًا كبيرًا آخر. فمع زيادة الاعتماد على التقنيات الرقمية، أصبحت البيانات الشخصية عرضة للانتهاكات. تُقدر تكلفة الجرائم السيبرانية عالميًا بحوالي 6 تريليونات دولار سنويًا، وهو ما يفرض الحاجة إلى استثمارات كبيرة لحماية البيانات وتعزيز الأمن الرقمي.

نقص المهارات الرقمية يمثل عائقًا إضافيًا. وفقًا لدراسة أجرتها مجموعة بوسطن للاستشارات (BCG)، فإن نقص الكفاءات الرقمية يمثل التحدي الأكبر أمام التحول الرقمي في الشرق الأوسط. هذا النقص يعوق قدرة الشركات والحكومات على الاستفادة الكاملة من التقنيات الرقمية.

قد تكون الحلول النمطية هي الوسيلة المثلى للاستفادة من الفرص التي تتيحها الثورة الرقمية. أول هذه الحلول تتطلب الاستثمار في تطوير البنية التحتية الرقمية لضمان الوصول الشامل إلى الإنترنت. تقليص الفجوة الرقمية يجب أن يكون أولوية، مع التركيز على توفير الوصول إلى التكنولوجيا للفئات المهمشة والمناطق النائية.
ثم أنه لا بد أن يصبح التعليم الرقمي جزءًا أساسيًا من المناهج الدراسية. إدماج المهارات الرقمية مثل البرمجة وتحليل البيانات في النظام التعليمي سيساهم في تأهيل جيل جديد قادر على التفاعل مع متطلبات الاقتصاد الرقمي. ومن الأهمية أن تعمل الحكومات وبالتعاون مع القطاع الخاص لتوفير برامج تدريبية لتطوير مهارات القوى العاملة الحالية في القطاع العام والخاص.

سن التشريعات لحماية البيانات وتعزيز الأمن السيبراني هو أمر ضروري أيضاً. يجب أن تعمل الحكومات العربية على تطوير قوانين شاملة لحماية الخصوصية وضمان أمن البيانات، وموائمة هذه القوانين مع المعايير الدولية لمواجهة تهديدات الفضاء السيبراني.

من جهة أخرى، الابتكار وريادة الأعمال يجب أن يحظيا بدعم كبير. توفير بيئة تنظيمية مرنة مشجعة للاستثمارات في الشركات الناشئة سيدعم قدرة المنطقة على المنافسة في الاقتصاد الرقمي العالمي. ومن الأهمية التركيز على دعم المشاريع التي تجمع بين التكنولوجيا والتنمية الاجتماعية، مثل تلك التي تهدف إلى تحسين التعليم أو الرعاية الصحية باستخدام الحلول الرقمية.

ختاماً، الثورة الرقمية تمثل أكثر من مجرد فرصة اقتصادية، بل الوسيلة التي يمكن من خلالها إعادة تموضع المجتمعات العربية لتتحول إلى قوة تنافسية في الاقتصاد الرقمي العالمي. تحقيق هذا المطلب يستوجب تكوين فهم العوامل الهيكلية، وعملية تخطيط توازن بين التكنولوجيا والتنمية البشرية، ووضع الاستراتيجيات الوطنية التي ترتكز على الابتكار والتكامل الإقليمي والتنمية المستدامة.

تحسين بيئة الاستثمار

...
التاريخ: 12 - 01 - 2025

المصدر: جريدة البورصة المصرية

د. ابراهيم مصطفى

رئيس لجنة الاستثمار

فى إطار سياسة الدولة الحالية نحو تشجيع القطاع الخاص وإعادة مساهمته فى الاستثمار الكلية لتصل إلى نسبة 65-70% كما كانت فى السابق، ولكونه الشريك الأساسى فى التنمية الاقتصادية المستدامة وفى ضوء المطالبات العديدة للدولة من التخارج من النشاط الاقتصادي وإفساح المجال أمام نمو القطاع الخاص سواء من متخصصين فى الشأن الاقتصادي، أو من قبل العديد من رجال الاعمال أو مؤسسات دولية وفى إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة التى يتم مراجعتها حاليا، والتى تعبر عن نية الدولة للتخارج تدريجيا من عدد كبير من الشركات فى مختلف الانشطة الاقتصادية، عقد رئيس الوزراء لقاء مع عدد من رجال الاعمال من ذوي العيار الثقيل فى مختلف الأنشطة الاقتصادية ممن لشركاتهم وزن كبير فى السوق المحلية والاقليمية والدولية فى مختلف القطاعات، ولكونهم يمثلون جانب كبير من مرآة الاقتصاد والاستثمار فى مصر ويتم استطلاع رايهم من كافة المؤسسات الاستثمارية والاقتصادية تجاه الوضع فى مصر.

وإن كان قد سبقه منذ فترة ليست ببعيدة لقاء مع رواد الاعمال وتشكيل لجنة داخل مجلس الوزراء لتتولى جميع القضايا المتعلقة بريادة الأعمال وتنمية أعمالهم، وآمل ان تستمر مثل هذه الحوارات واللقاءات بطريقة مؤسسية وفعالة لتؤتى ثمارها المرجوة.

ولعل هذه المقالة تتناول اللقاء الأخير برجال الأعمال فيما له وما عليه، لما له من أهمية ودلالة قوية، وما تطرقت إليه من موضوعات تؤثر على مناخ الاستثمار ونمو القطاع الخاص، ولكن قبل أن نبدأ فى التعرض للتحديات التى ذكرت فى ذلك اللقاء، تستحضرنى بعض الملاحظات التى لو كانت إخذت بعين الاعتبار لكان له مردودا أفضل على إخراج الحوار ومخرجاته والصورة التى كان يجدر أن يخرج بها، ولاسيما أنه كان مذاعا للجميع ورآه من هو داخل البلاد وخارجها من مختلف الأطياف والمؤسسات. وتتراوح هذه الملاحظات بين سطور الاجابة على التساؤلات التالية: ماذا لو تم إعداد أجندة لهذا الحوار قبل عقده وأرسلت الى جميع المشاركين فيه ليقدموا تحليلا للتحديات الحقيقية وآثارها وحلولا لها، ماذا لو كانت أهداف الحوار ومخرجاته محددة، وما هى الرسائل الموجهة التى كان لا بد ان يخرج بها لكل من شاهده، ما هو الفرق بين هذا الحوار وغير من المبادرات الموجودة كلجنة الحوار الوطني والمجلس الاستشارى الاقتصادي لرئيس الوزراء، والمجلس الأعلى للاستثمار، وهل تم تمثيل نخبة من رجال الاعمال المشاركين فى تلك المبادرات، وماذا كانت مساهماتهم فيها اذا ما قد تم تمثيلهم، وهل اللجان الاستشارية المتخصصة التى سيتم تشكيلها ممن شاركوا فى اللقاء الاخير ستكون موازية لتلك المبادرات أم كيف سيتم التنسيق فيما بينها لمواجهة التحديات التى يعرفها الجميع التى تواجه مجتمع الاعمال ووضع الحلول العملية لها على المستوى القصير والمتوسط والطويل، وهل عملية دمج الوزارات الاخيرة كانت فى محلها ام كان هناك تصورا افضل، وهل عمليات اعادة هيكلة الهيئات التى تجري حاليا ستعالج بعض التحديات المتعلقة بتداخل الاختصاصات أو تشابه بعضها.. اسئلة كثيرة مشروعة تدور فى الأفق.

لاشك ان عقد هذا الحوار له مزايا وعيوب، من أهم مزاياه حرص الدولة على عقد الحوار مع القطاع الخاص واشراكه فى التنمية وعمليات الاصلاح؛ وهو توجه حميد ويجب ان يستمر لتحسن وضع الاقتصاد وبيئة الاستثمار، ولكن يتطلب الامر وضع اجندة ومستهدفات حقيقية وتوضيح دور كل طرف ما يجب على الحكومة فعله وما يجب على القطاع الخاص فعله حتى تتحق التوليفة SYNERGIES وتعطى افضل نتائج مركبة ممكنة وفى اسرع وقت بمكاسب سريعة تساعد على تحقيق سياسات ومكاسب مستدامة.

اما أهم عيوب الحوار من وجهة نظري المتواضعة عملية الاخراج الذى تمت به، خرج عن اساسيات الحوار وهي اساسها طرفين حكومة وقطاع خاص برئاسة السيد رئيس الوزراء وبأمانة فنية تسجل ما يقال من كلا الطرفين بعد أن تكون قد أعدت له لوجيستيا وموضوعيا واهدافا شرحت للجميع حتى يخرج فى افضل شكل ومضمون وتحديد ادوار كل طرف ليرتقي بالحوار ونتائجه طالما خرج إلى العلن، يتحاوران فى موضاعات معدة مسبقا للخروج بنتائج، وليس مجرد لقاء واجتماع، فالحوار مستمر بموضوعاته ومستهدفاته ونتائجهه ورسائله المراد إيصالها، فالهدف ليس استعراض قوة طرف تجاه الآخر بقدر ما هو حوار من أجل الأفضل.

ومازلت أرى أن هذه الحوار إيجابيا رغم بعض المنتقدين له، ولاسيما وان فرص الحوار مستمرة ويمكن ان تخرج بنتائج ايجابية لكل المشاركين فيه من جانب، ولكل من شاهده ويشاهده من افراد ومؤسسات من جانب أخر سواء كانت محلية أو إقليمية أو عالمية، فما تمر به مصر والمنطقة والعالم من تحديات غير مسبوقة وآثارها التى تفرض علينا التعامل معها بشكل فعلي موضوعيا وزمنيا دون رفاهية وبتسارع يتماشى مع تسارع تلك التحديات واثارها.

لذلك، من الأهمية بمكان عقد نمثل هذه الحوارات مع تحسن منحنى التعلم من كل لقاء وتوجيهه للمستهدفات والنتائج والرسائل المطلوب تحقيقها من أجل تنمية حقيقية مستدامة ومناخ استثمارى تنافسي أفضل فى ظل الوضع الاقتصادين الإقليمي والعالمي وما يفرضه من تحديات، وكذلك شدة المنافسة فيهما على تحقيق معدلات تنموية افضل وجذب الاستثمارات، وهو ما يتطلب سياسات جاذبة متكيفة ومستقرة فى ظل سعي الدولة المصرية على الارتقاء بالدولة فى كل المجالات وجذب الاستثمارات المتنوعة لتستمر فى السباق الإقليمي والعالمي.

الأمن والتنمية في العالم العربي

...
التاريخ: 11 - 01 - 2025

القاهرة

المصدر: جريدة الوفد

أ.د. علي محمد الخوري

وسط التحديات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية المتشابكة، يجد العالم العربي نفسه أمام معضلة استراتيجية تتداخل فيها أولويات وضرورات الأمن القومي مع الرؤى التنموية. فمع تصاعد الإنفاق العسكري على نحو غير مسبوق، تبرز التساؤلات حول جدوى هذا النهج في ضوء احتياجات الشعوب المتعطشة لتحسين مستويات المعيشة وفرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
سباق التسلح العربي
تشير تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن منطقة الشرق الأوسط تستحوذ على حوالي 32% من واردات الأسلحة العالمية، وهو ما يجعلها من أكثر المناطق استيرادًا للسلاح. خلف هذه الأرقام تختبئ دوافع جيوسياسية معقدة تتراوح بين النزاعات الإقليمية والمنافسات الاستراتيجية، وهو ما يدفع العديد من الدول العربية إلى التركيز على التسلح كأداة رئيسية لضمان أمنها القومي. ومع ذلك، فإن الاعتماد المفرط على هذا النهج قد يعكس رؤية تتجاهل الأدوات البديلة كالتركيز على التنمية البشرية، وبناء المؤسسات الوطنية القوية والمستقلة، وموازاتها مع السياسات التنموية والاعتماد على الدبلوماسية الناعمة والتعاون الإقليمي والدولي.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
الإنفاق العسكري بطبيعة تكاليفه الباهظة يفرض أعباء ثقيلة على الموازنات العامة للدول العربية، حيث يتجاوز في بعض الحالات 7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 2.2%. هذه النسب تعني استنزاف موارد مالية كان يمكن توجيهها نحو قطاعات أكثر أهمية كالتعليم والصحة والبنية التحتية.
المفارقة هي أنه في المقابل، تعاني معظم الدول العربية من فجوة كبيرة في الإنفاق على التعليم، حيث لا تتجاوز نسبته 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي في كثير من الأحيان، مقارنةً بمعدل عالمي يبلغ 4.3%. هذا التفاوت ساهم وكما يبدوا في إضعاف القدرات التنافسية لكثير من الدول العربية وزيادة الضغوط الاجتماعية المتمثلة في البطالة والفقر وانعدام الاستقرار الداخلي. وإضعاف فرص تحقيق التنمية المستدامة.
أما على المستوى الاجتماعي، فإن التركيز على التسلح من شأنه أن يؤدي إلى تضييق الخناق على الخدمات الأساسية، ويزيد من الضغوط على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، لا سيما في ظل تقلص الموارد المتاحة لتلبية احتياجاتهم. ويتزامن ذلك مع الأوضاع الاقتصادية المتردية في كثير من الدول العربية، حيث ترتفع معدلات الدين العام وتتراجع معه مستويات النمو الاقتصادي. أضف إلى ذلك، فإن المناخ السياسي المشحون في المنطقة غالباً ما يُثني المستثمرين الأجانب عن دخول الأسواق العربية، ليزيد من تعقيد المشهد التنموي.
التجارب الدولية
قد يكون من الممكن للدول العربية الاستفادة من التجارب الدولية في تحقيق التوازن المطلوب بين الأمن والتنمية، كدول جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وسنغافورة التي ترتكز سياستها الوطنية على بناء اقتصادات قائمة على المعرفة والابتكار، والذي ساعدها على تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن القطاعات التقليدية، وجذب الاستثمارات الأجنبية الدولية، واندماجها بشكل أعمق في سلاسل القيمة العالمية، وتعزيز مكانتها في الاقتصاد الدولي.
كم أن تجربة الصين في إعادة توجيه استراتيجياتها نحو التنمية والاقتصاد تستحق التأمل. فقد أعادت هيكلة جيشها وتقليص العدد الكلي للقوات المسلحة إلى نحو 2 مليون جندي، لتقلل بذلك من النفقات العسكرية المباشرة، وبالتوازي، ركزت على الابتكار التكنولوجي في قطاع الدفاع، وهو ما أتاح لها تحقيق كفاءة أعلى بتكلفة أقل، وتوجيه الفائض من الموارد نحو القطاعات الإنتاجية والصناعات الاستراتيجية والتي أوجدت مصادر جديدة للدخل القومي.
علاوة على ذلك، ارتكزت السياسات الصينية على تحسين العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول الأخرى من خلال مبادرات مثل “الحزام والطريق”، والتي ساهمت في فتح أسواق جديدة وتعزيز التجارة الدولية. مكنت هذه الخطوات الصين ودول جنوب شرق آسيا من تحقيق توازن بين الأمن والتنمية، وإنماء قدرتها على تأمين حدودها وحماية مصالحها الاستراتيجية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية ومستدامة، وجعلها نماذج ناجحة في كيفية إعادة صياغة الأولويات الوطنية بما يخدم التنمية الشاملة.
الأولويات الوطنية العربية
لتحقيق التوازن المنشود، لا بد للدول العربية من إعادة صياغة أولوياتها الوطنية بشكل يُعطي الأولوية للاستثمار في بناء القدرات البشرية، كمدخل تقوم عليه القطاعات الصناعية، والسياسات الاقتصادية المستدامة. تطوير منظومة التعليم، على سبيل المثال، هو أكثر من مجرد غاية في حد ذاتها، بل الوسيلة الاستراتيجية لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، وتدعيم القدرات الوطنية لمواجهة البيئات الأمنية والاقتصادية المتغيرة.
كما أن الاستثمار في البحث العلمي، وتطوير الصناعات الدفاعية المحلية هي أيضاً محاور أساسية لبناء أمن قومي مستدام. الصناعات الدفاعية المحلية، على وجه الخصوص، يمكن أن تسهم في تقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية وخلق فرص العمل في الداخل المحلي. ويمكن للدول العربية أن تحقق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد من خلال التعاون الإقليمي والتحالفات الأمنية التي تخدم المصالح المشتركة، وهو ما قد يسهم في تقليل التوترات الجيوسياسية وخفض سباق التسلح بل وفي فتح آفاق جديدة للتنمية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمشاريع الاقتصادية المشتركة ومناطق التجارة الحرة أن تخلق بيئة داعمة للنمو الاقتصادي، ويُعيد تشكيل العلاقات السياسية مع دول الجوار والمحيط العالمي على أسس أكثر استدامة.

الأمن في عصر التحديات الجديدة
تظهر الحقائق بأن المفهوم التقليدي للأمن القومي لم يعد كافيًا لمواجهة التحديات الراهنة. فالأمن اليوم لا يمكن قياسه بحجم القوة العسكرية أو عدد الأسلحة فقط، بل بقدرة الدولة على بناء مجتمعات تمتاز بالمرونة والقدرة على التكيف والتأقلم مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. إذا، فالعالم العربي بلا شك أمام مطلب واضح لإعادة تعريف أولوياته الوطنية بما يضمن تحقيق توازن مستدام بين الأمن والتنمية. الأمر الذي لا يقبل الجدال، هو أن الاستثمار في المعرفة والابتكار سيبقى المفتاح لتحقيق هذا التوازن، والوصول إلى مستهدف الاستقرار في المجتمعات العربية، وهو الخيار الوحيد الذي سيضمن للدول العربية موقعاً تنافسياً في النظام العالمي الجديد، ويمنحها القدرة على تحقيق طموحات شعوبها.

الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي يعقد اجتماع تنسيقي مع جامعة المدينة وجامعة عجمان

...
التاريخ: 07 - 01 - 2025

عجمان، الإمارات العربية المتحدة

في خطوة تهدف دعم منظومة التعليم الرقمي وتطوير الكفاءات العربية والمبادرات التعليمية المبتكرة، عقد الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي اجتماعًا مشتركًا مع جامعة المدينة وجامعة عجمان. تناول الاجتماع عرض مشروع المنصة العربية للتعليم والتدريب، بالإضافة إلى مناقشة سبل التعاون بين الأطراف لدعم هذا المشروع الطموح.

وشهد الاجتماع حضور عدد من المسؤولين والخبراء من الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي برئاسة د. عبدالله الدرمكي نائب الأمين العام للاتحاد، ود. أيمن مختار غنيم الأمين العام المساعد، إلى جانب قيادات أكاديمية من جامعة المدينة برئاسة سعادة د. عمران خان مدير الجامعة، وجامعة عجمان برئاسة سعادة د. كريم الصغير، ومشاركة عدد من المدراء في الجامعتين، وتركزت النقاشات حول التعاون في مبادرة المنصة العربية للتعليم والتدريب.

وأكد الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي خلال الاجتماع على أهمية الشراكات مع المؤسسات الأكاديمية الرائدة في الوطن العربي لتحقيق أهداف المشروع، وأن منصة التعليم التي يشرف على تنفيذها الاتحاد ستكون بمثابة ركيزة أساسية لدعم التحول الرقمي في العالم العربي، من خلال تقديم محتوى تعليمي متطور وبرامج تدريبية متخصصة للطلاب وبرامج تدريب عملية تؤهلهم للاندماج في سوق العمل الرقمي.

من جانبه، أعرب ممثلو الجامعتين عن ترحيبهم بالمبادرة واستعدادهم لتقديم الدعم اللازم لإنجاح مشاريع الاتحاد. وأكدوا بأن الجامعتين تُوليان أهمية كبيرة لتمكين الطلاب من اكتساب المهارات الرقمية الحديثة، مشيرين إلى أن التعاون مع الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي يُعد خطوة استراتيجية نحو تحقيق هذا الهدف.

يُشار إلى أن مشروع المنصة العربية للتعليم والتدريب يُعد أحد المبادرات الرئيسية التي تهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في التعليم الرقمي العربي وبناء القدرات الرقمية العربية التي تلبي احتياجات المجتمعات العربية وتدعم فرص التنمية المستدامة.

كما أبدى مسؤولي الجامعتين الترحيب بالانضمام إلى اللجنة العليا لتطوير ومراجعة الرؤية العربية للاقتصاد الرقمي 2026-2030 والتي أطلقها الاتحاد في أبوظبي عام 2018 برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ورعاه.

إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية.. الإنطلاق من جهات بيئة الاستثمار

...
التاريخ: 05 - 01 - 2025

 

المصدر: جريدة البورصة المصرية

د. ابراهيم مصطفى

رئيس لجنة الاستثمار

 

فى إطار سياسة الدولة الحالية نحو إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية التابعة لها، والبالغ عددها 59 هيئة متنوعة، وهو نهج حميد ومطلوب، وذلك لرفع معدلات الكفاءة، وزيادة مساهمتها فى الناتج المحلى تعد أولوية لدى الحكومة، وذلك بغرض تحديد مصير كل هيئة، وفقاً لعدد من البدائل التى تتضمن: إما الإبقاء على هذه الهيئة الاقتصادية، أو تحويلها إلى هيئة عامة، أو دمج هيئات معاً، أو تقسيم الهيئة إلى هيئات أصغر.

وحيث إنَّ الدراسات الأولية لهذه القضية من قبل اللجنة المشكلة لهذا الغرض وبعد استيفاء الإجراءات والخطوات الخاصة بفحص ودراسة 40 هيئة، فقد تم الاتفاق على الإبقاء عدد 29 هيئة اقتصادية، وتصفية وإلغاء هيئة واحدة، ودمج عدد 3 هيئات فى هيئات أخرى، وتحويل عدد 7 هيئات من هيئات اقتصادية إلى هيئات عامة لعدد من الاعتبارات، لافتاً إلى أنه من المنتظر الانتهاء من فحص ودراسة 19 هيئة متبقية، وإعداد التقرير النهائى للدراسة، تمهيداً لعرضه على مجلس الوزراء.

إن إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية يجب أن تحقق الغرض المطلوب بشأن ترشيد الإنفاق وإعادة رفع كفاءة عمل الهيئات ووظائفها وتجنب التداخلات فى الاختصاصات، وهو ما يتطلب النظر فى عدة معايير لتحقيق الجوانب الإيجابية من إعادة الهيكلة:

طبيعة ووظائف كل هيئة وبالتالى تأتى هنا أهمية دمج هيئات مع بعض تتشابه فى الاختصاصات مثل الهيئات التى تتعلق بالاستثمار فوجود هيئة للاستثمار وهيئة للتنمية الصناعية وهيئة للمنطقة الاقتصادية يشتت جهود تبسيط بيئة الاستثمار والترويج للفرص الاستثمارية رغم ارتباطها ببعضها البعض.

إبقاء ودمج وتصفية.. كيف ستتعامل الحكومة مع الهيئات الاقتصادية؟

فعندما تم دمج هيئات سوق المال والتأمين والتمويل العقارى فى هيئة موحدة للرقابة المالية وتوحيد جميع الخدمات المالية غير المصرفية فى كيان واحد ينظم هذه الأنشطة تحت مسمى الهيئة العامة للرقابة المالية أسوة بالتجارب الدولية الرائدة، رفع ذلك من كفاءة سوق الخدمات المالية غير المصرفية وتوحيد التعامل مع جهة واحدة.

وبالتالى دمج الهيئة العامة للاستثمار والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية (لمنطقة قناة السويس والمثلث الذهبي) والهيئة العامة للتنمية الصناعية فى كيان واحد سيكون له انعكاس كبير على جهود جذب الاستثمار والترويج للفرص الاستثمارية والحديث مع كيان واحد عن فرص الاستثمار وسيقلل جهود التنسيق فى ظل جهات متعددة كثيرة إلى كيان واحد يتعامل مع المستثمر. وسيقلل من الانفاق الخارجى على الترويج للاستثمار من خلال جهة واحدة فقط دون تعدد سفريات رؤساء كل هذه الجهات للحديث عن فرص الاستثمار او جهود تبسيط الاجراءات والتى يجب أن تكون واحدة ومبسطة. على أن يكون هناك نواب فعليون للهيئة الموحدة الجديدة.

وعند الدمج تأتى أهمية تشابه الهيكل المؤسسى والأجور والموظفين أو إعادة تأهيلها لتلائم عمليات الدمج؛ لأن الهيكل المؤسسى داخلياً للهيئة الجديدة حينها سيتغير، وهنا تأتى أهمية التنسيق مع الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة والشركات الاستشارية لوضع أفضل وضع بعد الدمج، لا سيما أنه حدث قبل ذلك فى أمثلة واضحة عند إنشاء هيئة الرقابة المالية، وعند دمج مصلحة الشركات فى هيئة الاستثمار من سنوات عديدة.

كذلك ستصبح هناك موازنة موحدة لجميع هذه الجهات بدلاً من تعدد الموازنات وازدواج الإنفاق على أنشطة متشابهة، وحينها يمكن المناورة فى الصرف على الأنشطة من توحيد موارد تلك الجهات وحصيلة الأراضى التى لديها، مع قيامها باستثمار أصولها وأموالها لتعظيم العائد من تلقاء نفسها بما يعزز من مواردها بعيداً عن موازنة الدولة كمصدر للتمويل؛ بل ستكون أيضاً مصدراً جيداً لتمويل موازنة الدولة من موارد تلك الكيانات الموحدة.

ستتمكن تلك الهيئة الموحدة من استخدام مقرات الهيئات المدمجة فى توسيع الخدمات التى آلت لها فى جميع الفروع المنتشرة فى المحافظات المختلفة مع تطوير جهود الميكنة المرجوة، فى ظل وجود هيئة موحدة تخاطب متلقى الخدمة منها، وتباشر اختصاصات موحدة، وتنفق على تطوير تلك الخدمات من مواردها.. فالهيئات التى لم يكن لديها مورد ذاتى اندمجت فى هيئة موحدة تحقق لها ذلك واستفادت من الهيئات التى لها موارد ذاتية وتتشابه معها فى الأنشطة نفسها.

كذلك أهمية تطبيق المعاش المبكر وفلترة العناصر ذات الكفاءة وضخ دماء جديدة بعد تقييم النقص فى الكوادر المطلوبة على جميع المستويات الوظيفية، بما يحقق الأهداف المرجوة، ومواكبة التطورات الجديدة مع معطيات العصر من التكنولوجيا الحديثة، والتنمية البشرية الحديثة، ووضع التنافسية العالمية فى ظل التحديات والفرص التى يخلقها الاقتصاد السياسى الدولى إقليمياً وعالمياً، وتتأثر بها الاقتصادات المحلية، فالعالم أصبح متداخلاً وتتسارع أحداثه بشكل كبير على مختلف الأصعدة.

وفى النهاية، الموضوع ليس بعدد الهيئات ولكن بكفاءة الأداء فقد تكفى هيئات معدودة بكفاءات وأنظمة متطورة للقيام بالمهام المطلوبة وبالوسائل الذكية المتطورة، وتحقيق الإنجازات بكفاءة وفاعلية، وبما يعود على الدولة من نفع كبير ويوفر عليها مجهوداً وتكاليف هى فى غنى عنها تضيع فى ظل التعدد وتداخل الاختصاصات وتضخم الجهاز البيروقراطى دون جدوى.

طريق الإصلاح في العالم العربي

...
التاريخ: 04 - 01 - 2025

 

القاهرة

المصدر: جريدة الوفد

أ.د. علي محمد الخوري

يشهد العالم العربي نقطة تحول حاسمة في مسيرته نحو التنمية المستدامة، في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم نتيجة التقدم التكنولوجي، والتغيرات الديموغرافية، والضغوط البيئية المتزايدة. ويعد الإصلاح الداخلي والإصلاح التحديثي من المفاهيم الحديثة لتحديث الأنظمة والهياكل المؤسسية لتلبية المتطلبات الحديثة، كمسارين مترابطين ومتكاملين لتحقيق هذه الغاية.

تُعد الإصلاحات الداخلية ذات أهمية جوهرية، إذ تهدف إلى إعادة الهياكل التنظيمية القائمة لتحسين الكفاءة والمساءلة والشمولية. وقد شهدت المنطقة العربية في السنوات القليلة الماضية جهود لافتة لتعزيز معايير الشفافية ومكافحة الفساد في المؤسسات العامة والخاصة. وعلى الرغم من أن برامج الإصلاحات أظهرت بعض التقدم وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية، إلا أن التقارير تنوه إلى أن دول المنطقة لا زالت بحاجة لتغييرات هيكلية لتحقيق التقدم المنشود.

الإصلاحات المطلوبة وفق هذه التقارير يجب أن تتعامل مع الأوضاع الراهنة لسوق العمل والمتطلبات المهارية للقوى العاملة في العالم العربي. وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإنه وبالرغم من أن70%  من سكان المنطقة متصلين بالإنترنت منذ عام 2022، إلا أن 1.7% فقط يمتلكون المهارات التقنية المتقدمة اللازمة للتعامل مع الوظائف الرقمية الحديثة، مثل البرمجة، وتحليل البيانات، وتطوير التطبيقات، والأمن السيبراني. جدير بالإشارة إلى أنه في عام 2023، بلغت نسبة البطالة بين الشباب في العالم العربي حوالي 25%، والذي يعد من أعلى المعدلات العالمية. ويتوقع دخول أكثر من 100 مليون من الشباب إلى سوق العمل خلال العقد المقبل، ليشكل بدوره ضغطًا إضافيًا على الحكومات العربية لتوفير فرص العمل، وتطوير اقتصاداتها بما يواكب الاحتياجات المتزايدة.

من الناحية الأخرى، يهدف الإصلاح التحديثي إلى تمكين الاقتصادات والمجتمعات العربية من الاندماج في السياق العالمي عبر الابتكار والتكنولوجيا. الاستثمار في الطاقة المتجددة هو من أحد الأمثلة البارزة على الإصلاح التحديثي. عربياً، أحرزت دول مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والمغرب تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال كمشاريع “مصدر”، و”بنبان” ومجمع “نور ورزازات”، كأبرز المشاريع العالمية.
وعلى الرغم من هذه الجهود، إلا أن المنطقة العربية لا تزال متأخرة في تحقيق إمكاناتها في الطاقة المتجددة. وفقًا لتقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا)، بلغت القدرة الإنتاجية للطاقة الشمسية في منطقة الشرق الأوسط حوالي 12.9 جيجاواط في عام 2022، وهو رقم يعادل تقريبًا قدرة فرنسا.

إلى جانب الطاقة المتجددة، يشكل تنويع الاقتصاد عنصرًا أساسيًا في الإصلاح التحديثي. تاريخيًا، اعتمدت العديد من الدول العربية بشكل كبير على النفط، ما جعل اقتصاداتها عرضة لتقلبات الأسعار والانتقال العالمي إلى الاقتصاد منخفض الكربون. وأصبح من الأهمية على الدول العربية تطوير قطاعاتها الحيوية مثل التكنولوجيا، والسياحة، والزراعة كخطوة ضرورية لتقليل الاعتماد على العائدات النفطية وبناء نماذج اقتصادية أكثر توازنًا واستدامة. المنطقة الاقتصادية لقناة السويس هو نموذج لمثل هذه المشاريع والتي تركزت على تطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات اللوجستية، وجذب الاستثمارات، وتوطين الصناعات.

إجمالاً، تتطلب كل من الإصلاحات الداخلية والتحديثية أطر تشريعية قوية لدعم الابتكار وتحقيق العدالة وتطوير الشفافية والحد من الفساد. تحتاج الاقتصادات الحديثة إلى أنظمة قانونية مرنة تحمي حقوق الملكية الفكرية، وتضمن أعلى مستويات أمن البيانات، وتحسين جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية. شمولية الإصلاحات مسألة مهمة للغاية لتلبية احتياجات الفئات المهمشة وإشراك كافة مكونات المجتمع وضمان تكافؤ الفرص.

التحول الرقمي بطبيعته يشكل محورًا مهماً للتكامل بين الإصلاح الداخلي والتحديثي. الوتيرة السريعة لتبني التكنولوجيا الرقمية في التعليم، والصحة، والتجارة ساهمت بتحولات نوعية في هذه القطاعات. وقد برزت مبادرات مثل الاستراتيجية الرقمية في مصر وبرنامج الحكومة الذكية في الإمارات كنماذج لافتة ارتكزت على بناء القدرات الداخلية وتعزيز التنافسية العالمية، إلا أن التوسع في مشاريع التحول الرقمي أصبح يتطلب مزيد من الإصلاحات الداخلية والتحديثية لمجاراة قضايا الأمن السيبراني، والخصوصية الرقمية، ورفع مستوى الوعي التكنولوجي لضمان شمولية فوائده.

في المجمل العام، لا تزال التحديات كبيرة. تعاني العديد من الدول العربية من ارتفاع مستويات الديون، والضغوط التضخمية، والتغيرات الديموغرافية التي أصبحت الثقل الذي ينهك كاهل الخدمات العامة ويضعف ثقة جمهور المجتمع. أضف إلى ذلك، أن المنطقة تعاني من عدم استقرار جيوسياسي ومخاطر مرتبطة بالتغير المناخي، وهو ما يزيد من تعقيد الأوضاع ويُضعف قدرة الدول على تحقيق الاستقرار والتنمية.

بالرغم من ذلك، توفر هذه التحديات فرص كبيرة، وكما وصفه الفيلسوف الصيني “سون تزو” في كتابه “فن الحرب”: “من قلب الفوضى، تولد الفرصة.”
فالتحولات الديموغرافية في العالم العربي تمثل فرص وآفاق واسعة. توقعات النمو السكاني تشير إلى أن عدد سكان المنطقة سيتجاوز 500 مليون نسمة بحلول عام 2050. إذا استطاعت الدول العربية من التخطيط السليم لمجتمعاتها وإشراكهم في دفع عجلة التنمية، فإن ذلك سيمثل قوة دفع هائلة. برامج الإصلاح والتحديث يجب أن تركز على الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية وريادة الأعمال لتحويل الشباب إلى محرك للابتكار والتنمية.

من جانب آخر، تقدم المتغيرات الحالية في سلاسل التوريد العالمية فرصة إضافية للعالم العربي. ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى تنويع شركائها التجاريين وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية، يمكن أن تتصدر المنطقة كمركز رئيسي للتجارة العالمية بفضل موقعها الاستراتيجي والبنية التحتية الناشئة. كما يمكن لتوسيع التجارة البينية العربية أن يعزز من التكامل الاقتصادي العربي والإقليمي.

في نهاية المطاف، يرتبط نجاح الإصلاحات في العالم العربي بمدى قدرة الدول على استيعاب أهمية التكامل بين المفهومين الأساسيين للإصلاح؛ الإصلاحات الداخلية معنية بتوفير الأساس الضروري للاستقرار والشمولية في المؤسسات والهياكل الوطنية، بينما الإصلاحات التحديثية تركز على تحفيز التنافسية ودعم الابتكار لتلبية متطلبات العصر الرقمي. الجمع بين هذين المسارين، سيمكن للدول العربية من صياغة خارطة طريق فعّالة لتحقيق التنمية المستدامة وضمان مستقبل مستقر للمنطقة.

 

الإنسان المعاصر والثورة الرقمية

...
التاريخ: 31 - 12 - 2024

أبوظبي

المصدر: جريدة الاتحاد

مفكرو الإمارات

أ.د. علي محمد الخوري

اجتاحت العالم، في العقدين الأخيرين، ثورة رقمية أعادت تشكيل العلاقات الإنسانية، والاقتصادية، والثقافية، وأسست لنمط جديد من الاقتصاد الرقمي والتحولات الاجتماعية العميقة. وهذه الثورة لم تكن مجرد سلسلة من الابتكارات التقنية أو التطورات التكنولوجية المعزولة عن السياقات البشرية والاجتماعية فقط، بل تحولاً نوعياً شاملاً أثر في جميع مفاصل الحياة. وفي «الوطن العالم»، حيث تسود تطلعات الشباب نحو التحديث والتغيير، تمخضت هذه الثورة الرقمية عن فرص واعدة للنمو والابتكار، ولكنها في الوقت نفسه أوجدت تحديات غير مسبوقة أمام المجتمعات والحكومات، تمحورت تحديداً حول قضايا الهوية الثقافية، والخصوصية الرقمية، والتماسك الاجتماعي.

الهوية الثقافية
وفقاً لأدبيات العلوم الإنسانية والاجتماعية، فإن الهوية الثقافية ليست مفهوماً ثابتاً، بل هي بناء ديناميكي يتأثر بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية. ومع الانتشار السريع للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في الدول العربية، أُتيحت للشباب فرص الانفتاح على ثقافات العالم، بيد أن هذا الانفتاح -على الرغم من إيجابياته- أثار تساؤلات عميقة عن مدى تأثير هذه الثورة الرقمية في القيم المحلية.
وتُظهر دراسات حديثة -أُجريت في بعض الدول العربية- العلاقة الطردية والمتشابكة بين اتساع قاعدة مستخدمي المنصات الرقمية، وضعف ارتباط الشباب بالقيم الثقافية التقليدية، وتزايد تبنّيهم مفاهيم جديدة من خارج النطاق المحلي لا تتوافق بالضرورة مع الجذور الثقافية للمجتمعات.
ويُضاف إلى ذلك الاستخدام الموسع والمُمنهج للخوارزميات التي تتعمد تقديم محتوىً مُصمماً للتأثير في سلوك الأفراد، وإرساء ما يسمى «فقاعات الترشيح» (Filter Bubbles)، وهي ظاهرة أنتجتها الخوارزميات الرقمية التي تُظهر محتوىً متوافقاً مع اهتمام الأفراد وسلوكهم على «الإنترنت». وهذه الظاهرة تقلل تعرض الأفراد لوجهات النظر الأخرى، وتدفع إلى العزلة الفكرية، وتكريس تصورات أُحادية الجانب بشأن القضايا المختلفة.

الخصوصية الرقمية
تُعد الخصوصية الشخصية مسألة جدلية مُعقدة أخرى تتصادم فيها رغبة الأفراد في حماية بياناتهم، واندفاع الشركات التكنولوجية لاختراق الحدود غير المرئية. وقد أصبحت البيانات هي السلعة الجديدة الأكثر قيمة، مع تزايد ممارسات جمع بيانات المستخدمين وتحليلها، في سبيل تحقيق مكاسب اقتصادية. ولا تقتصر أهداف هذه الممارسات على الإعلانات المُوجهة فقط، بل تمتد إلى التأثير في اختيارات الأفراد وسلوكهم، حتى قيمهم أيضاً.
وفي السياق العربي، مع غياب تشريعات صارمة لحماية البيانات، والافتقار إلى الآليات التنفيذية في ظل توسع المنصات الدولية في الأسواق المحلية، تزداد المخاوف من إمكانية استغلال هذه البيانات للتأثير في أنماط الحياة الخاصة واختيارات الأفراد، ما قد يعمق الأزمة الثقافية والاجتماعية، أي إنه إذا استمر تجاهل أهمية وضع قوانين وطنية واضحة تحمي الخصوصية الرقمية، وتفرض الشفافية على شركات التكنولوجيا، فستبقى المجتمعات العربية عُرضة لتداعيات خطِرة تهدد خصوصيتها وهويتها الثقافية.

التماسك الاجتماعي

تشمل الآثار الاجتماعية، التي أحدثتها التكنولوجيا الرقمية أيضاً، تراجع التفاعل الإنساني المباشر، وهو عنصر أساسي في بناء التماسك الاجتماعي. وتشير دراسات في علم النفس إلى أن التفاعل المباشر عامل محوري في بناء الثقة والتواصل الفعّال بين الأفراد، في حين أن التفاعل الرقمي يميل إلى إيجاد علاقات سطحية خالية من العمق الإنساني. ومع انتقال أغلبية التفاعلات اليومية إلى منصات رقمية افتراضية، باتت هناك رقعة متنامية من شريحة الأفراد الذين يعانون الشعور بالوحدة والاكتئاب والقلق والانفصال النفسي، وانحسار الروابط الاجتماعية.
وتنحو معدلات الاكتئاب والقلق بين الشباب العرب منحىً تصاعديّاً، إذ تشير إحصائيات ودراسات أُجريت في دول عربية إلى أن عدداً متزايداً من الشباب باتوا يعانون مستويات مرتفعة من القلق، بسبب الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يهدد هذا الانفصال النفسي الصحة النفسية للأفراد فقط، بل يؤثر في استقرار المجتمعات وتماسكها أيضاً.

توصيات لصانعي السياسات

من الواضح أن استيعاب التحديات الناجمة عن الثورة الرقمية يتطلب بناء إطار استراتيجي لا ينظر إلى التكنولوجيا بصفتها أداة للنمو الاقتصادي فقط، بل وسيلة للتنمية الشاملة أيضاً بمختلف أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ويجب أن يرتكز هذا الإطار على تحقيق التوازن بين هذه الأبعاد، والتصدي لظاهرة الاستقطاب الفكري، التي تسعى إلى عزل أفراد المجتمع عن الهوية والقيم المشتركة، وإضعاف الشعور بالانتماء، والتأثير في استقرار المجتمعات. وتوضح المحاور الآتية الاتجاهات العامة التي يمكن أخذها في الحسبان ضمن هذا الإطار.

التشريعات والسياسات الوطنية

أبرز ما يحتاج إليه راسمو السياسات في العالم العربي هو تصميم تشريعات وطنية تراعي الأبعاد المختلفة، ولا سيَّما المرتبطة بحماية الخصوصية الرقمية، وضمان عدم استغلال البيانات لأغراض تجارية أو سياسية من دون موافقة واضحة وصريحة من المستخدمين. ومن الضروري أن يترافق ذلك مع إنشاء هيئات رقابية مستقلة لضمان الامتثال لهذه التشريعات. ويُعد نموذج اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي (GDPR) مرجعاً مُهمّاً تُمكِن الاستفادة منه في صياغة القوانين المحلية الوطنية والعربية. كما أن وجود منصة حكومية موحدة تُتيح للمواطنين التحكم في بياناتهم ومراجعة كيفية استخدامها، أمر جدير بالدراسة والتنفيذ على غرار الممارسات العالمية المتبعة حاليّاً لرفع مستوى الشفافية والثقة بين الأفراد والمؤسسات.

المحتوى الرقمي
في مسار موازٍ، فإن من الأهمية بمكان الاستثمار في تطوير منصات رقمية وطنية تقدم محتوىً مُجوّداً، وتشجيع إنتاج المحتوى الهادف والمُلهم الذي يرفع الوعي بقضايا المجتمع، ويعكس الهوية الثقافية والقيم المحلية. ويمكن أن يتمثل هذا الدعم في تأسيس صناديق تمويلية لدعم الاستثمار في المشروعات الشبابية، وتوفير الحاضنات والحوافز لإشراك الشباب في إنتاج محتوىً يُبرز القيم الأخلاقية والثقافية، والابتعاد عن الأنماط السائدة في منصات التواصل الاجتماعي، التي تفتقر غالباً إلى العمق، وتسهم في تشويه الفكر والذوق العام.

التربية الرقمية
يتطلب الحد من ظاهرة العزلة الرقمية تطوير المناهج التعليمية، وإدخال مادة «التربية الرقمية»، وهما مطلبان استراتيجيان للارتقاء بوعي الشباب بشأن أهمية التوازن بين العالَمين الرقمي والواقعي. ويجب أن ترتكز المناهج على مفهوم «الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا»، وتتناول مسائل إدارة الوقت والخصوصية والأمن السيبراني، وتطوير مهارات التفكير الناقد لتمييز المحتوى، وتجنب الانحصار في دوائر معلوماتية أو فكرية محدودة قد تؤدي إلى تحيزات معرفية. ومن الضروري أيضاً دعم البرامج والأنشطة التفاعلية المباشرة والواقعية، التي تُقلل الاعتماد الكلي على التكنولوجيا، كالفنون، والرياضة، والأنشطة التطوعية.

المجتمع المدني
لا بدَّ أن يكون للمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني دور فاعل في إشراك أفراد المجتمع، سواء عن طريق الفعاليات المحلية أو الأعمال التطوعية، التي تُسهم في بناء روابط اجتماعية قائمة على التعاون وخدمة المجتمع، ذلك أن طبيعة الفعاليات الحالية تفتقر غالباً إلى عمق المضمون، وتتسم بضعف التأثير في أنماط التفكير والسلوك، الذي يدفع الأفراد إلى التفاعل الإيجابي مع محيطهم. والمطلوب هنا هو إشراك شرائح أوسع من المجتمع، والتركيز على إيجاد مساحات تفاعلية لتمكين الأفراد من التعاون والمشاركة الجماعية النشطة، في إطار محافظ على الموروث الثقافي والقيم المشتركة.

الأسرة
يظل دور الأسرة أساسيّاً في بناء المجتمع وتماسكه، والحفاظ على الروابط الاجتماعية والصحة النفسية للأفراد، نظراً إلى أنها المؤسسة الأولى التي تُشكل الوعي الفردي، وتُكسِبه القيم والسلوكيات. وهذا الدور يتجاوز إطار التوجيه والمراقبة، ويمتد إلى إشراك الأسرة بصفتها طرفاً فاعلاً في جهود بناء مجتمع متوازن يعزز القيم الإنسانية، ويرسخ مفهوم الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا، ولذا، فإن دور الدولة يبدأ من توعية الآباء والأمهات، وإيصال هذه الرسالة المهمة إليهم، وتمكينهم من تحقيق هذا الدور بجميع السبل والطرائق، التي تتراوح بين الأدوات التكنولوجية والمناهج التربوية، فضلاً عن الانتقال بالأبوين إلى مرحلة من النضج المبكر تُمكّنهما من إدارة شؤون الأسرة بحكمة.

تكاملية الحلول
ختاماً، تستدعي مواجهة تحديات الثورة الرقمية مقاربة شاملة تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والتكنولوجيا، بحيث ترتكز السياسات الوطنية على تحقيق التوازن بين الانفتاح، والتنمية التكنولوجية، والحفاظ على الهوية الثقافية والقيم الأخلاقية. ومن التوصيات المقترحة هنا إنشاء هيكل متماسك تستند أعمدته بعضها إلى بعض، وتتكامل فيما بينها، ما يضمن تحقيق نتائج ملموسة وقابلة للاستدامة، وترسيخ مفهوم المواطنة الرقمية الإيجابية.

صراع السيارات الكهربائية

...
التاريخ: 30 - 12 - 2024

القاهرة

المصدر: جريدة الوفد

أ.د. علي محمد الخوري

في خضم التحولات الكبرى التي تشهدها صناعة السيارات الكهربائية، تبرز المنافسة العالمية بين أوروبا والصين كأحد أكثر القضايا الاقتصادية المعاصرة إثارة. هذا التنافس لم يعد صراع صناعي بقدر ما هو مواجهة استراتيجية تمس بنية الاقتصاد العالمي نفسه. ففي ظل القرارات الأخيرة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي بفرض تعريفات مؤقتة تصل إلى 38% على السيارات الكهربائية الصينية، إلى جانب الرسوم البالغة 10% التي فُرضت في السابق، تتصاعد حدة التوتر بين القوتين في الأسواق الأوروبية، بينما تبقى الأسواق الأخرى، بما فيها العربية، أمام مفترق طرق، تتطلّع إلى دور أعمق في هذه المعركة التي يمكن استغلالها لخلق فرص اقتصادية وتنموية واعدة.

الصين، التي استطاعت بناء سلسلة إمدادات متكاملة لصناعة البطاريات، تمكنت عبر آليات الدعم الحكومي واسع النطاق من تحويل سوقها المحلي إلى أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، لتجمع بين التفوق التكنولوجي والتكلفة المُنخفضة. بينما على النقيض، تواجه الشركات الأوروبية صعوبة في تحقيق تنافسية اقتصادية وصناعية مماثلة، وهو ما دفعها إلى الضغط على حكوماتها لاتخاذ إجراءات حمائية، في محاولة لإبطاء الامتداد الصيني في الأسواق الأوروبية. إلا أنه ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات قد لا تكون حلاً مستداماً، إذ من المتوقع أن تسعى الصين نحو توسيع حصتها في الأسواق الخارجية، بما في ذلك الأسواق الناشئة، التي تُعد ذات أهمية استراتيجية لكل من الطرفين.

وبموازاة هذه التحولات، تبرز فرص حقيقية للعالم العربي، الذي يُمكنه توظيف هذه المنافسة العالمية لصالحه عبر جذب استثمارات ضخمة في قطاع السيارات الكهربائية، لاسيما في مجال تصنيع البطاريات وإنتاج المعادن النادرة المستخدمة في هذه الصناعة. يمكن لهذه الاستثمارات أن تحقق للعالم العربي نقلة نوعية، عبر خفض الاعتماد على إيرادات النفط، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام. وبما أن السيارات الكهربائية تمثل خطوة نحو الحد من الانبعاثات الكربونية وتحسين جودة الهواء، فإن تبنيها بشكل واسع قد يساهم في مواجهة التحديات البيئية وخفض البصمة الكربونية للمنطقة.

لكن، وكما أن هذه الفرص مُغرية، فهي تتطلب استعداداً ضخماً لمواجهة تحديات عدة. فالتحول نحو السيارات الكهربائية لا يمكن أن يحدث من دون بنية تحتية متكاملة تشمل شبكات كهرباء متقدمة ومحطات شحن متوفرة في مختلف المناطق، وهو ما يستدعي استثمارات مالية ضخمة، وتخطيط استراتيجي طويل الأمد. إضافة إلى ذلك، يجب على الدول العربية التفكير في كيفية جعل السيارات الكهربائية متاحة لفئات أوسع من المواطنين، في ظل ارتفاع تكاليف اقتنائها حالياً. وهذا التحدي يتطلب سياسات تضمن تحفيز السوق المحلي، وتعزيز الوعي المجتمعي حول الفوائد البيئية والاقتصادية للسيارات الكهربائية، وسبل استخدامها بشكل فعال.

ومن المهم أن تتبنى الحكومات العربية رؤية أكثر شمولية، لتستفيد من التنافس الصيني الأوروبي وتضع إطار واضح للتعاون مع الشركات الكبرى التي تتطلع إلى تأسيس مراكز إنتاج في المنطقة. ويجب أن تشمل هذه الرؤية على كيفية تطوير شراكات استراتيجية مع الجهات الأجنبية لتعزيز القدرات المحلية في مجالات التصنيع والتكنولوجيا، وتوجيه استثمارات القطاع الخاص نحو تطوير قطاع السيارات الكهربائية وتوفير فرص عمل جديدة.

إضافة إلى ذلك، لا بد من إدراك التحولات العالمية نحو الاقتصاد الأخضر، وهو ما يستدعي من الدول العربية التخلي تدريجياً عن الاعتماد الكلي على موارد الطاقة التقليدية، ودعم استراتيجيات التنويع الاقتصادي من خلال استغلال الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية. فمثل هذا التوجه سيعزز من استقلالية الدول العربية في مجال الطاقة، ويسهم في الحد من التبعات البيئية السلبية، ويوفر قاعدة قوية للنمو المستدام.

بناءً على كل هذه المعطيات، يمكن القول بأن العالم العربي يقف اليوم أمام لحظة مفصلية، حيث يستطيع استثمار الصراع الاقتصادي بين أوروبا والصين كفرصة لتحقيق قفزة تنموية واستراتيجية، تعزز من مكانته الاقتصادية على الساحة الدولية. هذا المسار يتطلب تعاون وثيق بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لتطوير سياسات جريئة تضع المستقبل البيئي والاقتصادي في مقدمة الأولويات، وتسهم في خلق بنية اقتصادية أكثر استدامة واستقلالية.

الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي يطلق برنامج “قادة أعمال المستقبل” بالشراكة مع جامعة القاهرة واتحاد الجامعات العربية

...
التاريخ: 29 - 12 - 2024

أبوظبي

أعلن الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي عن إطلاق برنامج “قادة أعمال المستقبل”، في مبادرة طموحة تهدف إلى إعداد وتأهيل جيل جديد من قادة الأعمال القادرين على قيادة التحول الرقمي وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي. تأتي هذه المبادرة بالشراكة مع جامعة القاهرة وبدعم من اتحاد الجامعات العربية.

ويستهدف البرنامج طلاب الجامعات العربية، حيث يوفر لهم فرصة مميزة وفريدة لاكتساب المعرفة والمهارات العملية المتقدمة في مجالات التحول الرقمي وإدارة الأعمال. كما يُركز على تزويد المشاركين بأحدث الأدوات والتقنيات التي تمكنهم من تحقيق الريادة والابتكار في المجالات الاقتصادية المختلفة.

يأتي البرنامج الذي تقدمه جامعة القاهرة ويتولى الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي رعايته كمنصة تعليمية متكاملة تضم سبعة فصول دراسية بإجمالي 40 ساعة تعليمية. يتناول البرنامج عددًا من المحاور الأساسية التي تم تصميمها بعناية لتلبية احتياجات رواد الأعمال في المنطقة العربية، وتشمل:

  1. أساسيات عالم الأعمال: التعرف على مفاهيم السوق وإدارة الأعمال.
  2. صفات القائد وقدراته: تطوير المهارات القيادية والشخصية اللازمة للنجاح.
  3. الأعمال الصغيرة وكيفية بنائها: استراتيجيات تأسيس المشاريع الصغيرة وتطويرها.
  4. توليد الأفكار المبتكرة ودراسة جدواها: تدريب المشاركين على التفكير الإبداعي وتحليل الجدوى الاقتصادية للأفكار الجديدة.
  5. التخطيط الاستراتيجي وإعداد خطة العمل: تعلم تقنيات التخطيط ووضع خطط عمل فعالة.
  6. تأسيس المشروع وتجهيزه للتشغيل: الإعداد العملي لإطلاق المشاريع.
  7. إدارة المشروع باحترافية: تقنيات إدارة العمليات وتحقيق النجاح المستدام.

من جانبه، صرح معالي الأستاذ الدكتور محمد سامي عبد الصادق رئيس جامعة القاهرة: “يسعدنا أن نقدم هذا البرنامج من خلال جامعة القاهرة، أحد أعرق المؤسسات التعليمية في العالم العربي، حيث نؤمن بأن الاستثمار في الشباب هو مفتاح التقدم. يهدف البرنامج إلى تزويد الطلاب بالمعرفة العملية والمهارات الريادية، ويساعدهم على تحويل أفكارهم إلى مشروعات ناجحة تساهم في نمو الاقتصاد المحلي والإقليمي.”

وأكد بأن برنامج ‘قادة أعمال المستقبل’ يعكس رؤية جامعة القاهرة في تعزيز الابتكار وريادة الأعمال كمحركين أساسيين للتنمية. وأضاف: “نحن فخورون بشراكتنا مع الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي في هذه المبادرة، التي نرى فيها فرصة حقيقية لإطلاق طاقات الشباب وتحقيق تطلعاتهم في عالم الأعمال.”

 

وفي هذا السياق، أكد سعادة د. علي محمد الخوري، رئيس مجلس إدارة الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، أهمية البرنامج بـ “إن برنامج ‘قادة أعمال المستقبل’ يمثل إحدى الخطوات نحو تمكين الشباب العربي وتأهيلهم للدخول في سوق العمل الرقمي بروح تنافسية وإبداعية، وبناء مستقبل واعد للمنطقة العربية. ونهدف من خلال هذه المبادرة إلى إعداد جيل جديد من القادة القادرين على مواجهة تحديات العصر الرقمي والمساهمة في تطوير الاقتصاد العربي بمهارات حديثة ورؤى مبتكرة، ليصبحوا قادة المستقبل الذين يقودون التغيير الإيجابي في اقتصادات بلدانهم.”

 

“ويأتي هذا البرنامج انطلاقًا من رؤية الاتحاد لتعزيز الدور الريادي للشباب العربي في دعم الاقتصاد الرقمي والتنمية المستدامة. ومن خلال هذا البرنامج، نهدف إلى بناء شبكة من رواد الأعمال المؤهلين لتحويل الأفكار إلى مشاريع ملموسة تخدم أهداف التنمية المستدامة في العالم العربي.” وأضاف: “أننا نتطلع إلى أن يكون هذا البرنامج نموذجًا يحتذى به في التعاون بين مؤسسات التعليم العالي والمنظمات الاقتصادية لدعم رؤية الاقتصاد الرقمي العربي.”

 

كما أكد من جانبه، الأستاذ الدكتور معتز سيد عبدالله منسق البرنامج على أهمية المحتوى التعليمي الذي تقدمه جامعة القاهرة: “تم تصميم البرنامج بعناية ليشمل محاور رئيسية مثل أساسيات عالم الأعمال، توليد الأفكار المبتكرة، والتخطيط الاستراتيجي. نطمح إلى إكساب المشاركين المهارات اللازمة لبناء مشروعات مستدامة وإدارتها باحترافية، مما يعزز دورهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.”

ودعا الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي وجامعة القاهرة جميع الطلاب من مختلف الجامعات الراغبين في الانضمام إلى البرنامج إلى التسجيل عبر المنصة العربية للتعليم والتدريب من خلال الرابط أدناه باعتبارها فرصة لا تُعوض لاكتساب الخبرات وبناء شبكة علاقات مهنية مع نخبة من الخبراء والأكاديميين العرب.

رابط التسجيل:

https://edu4arab.org/

Home