أبو ظبي
عقد الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي اجتماعاً عن بعد عبر شبكة الإنترنت مع الاتحاد العربي للصناعات الغذائية وذلك لمناقشة الخطوات العملية لدعوة المصدرين والمستوردين للاشتراك والتسجيل في منصة سوق الغذاء العربي.
حضر الاجتماع كلاً من د. أيمن مختار غنيم الأمين العام المساعد في الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي ود. هيثم الجفان رئيس الاتحاد العربي للصناعات الغذائية، وممثلين عن الجانبين.
وتضمن الاجتماع مناقشة أهمية تطوير قطاع الأمن الغذائي في المنطقة العربية، وكيفية استخدام التكنولوجيا والابتكار في عرض منتجات المصدرين والمستوردين بالمنصة، بهدف تحقيق التحول الرقمي وتعزيز التنمية المستدامة، وتعزيز التكامل الرقمي وتوفير فرص اقتصادية وتنموية كبيرة في المنطقة العربية حيث أبدى الأطراف الترحيب بالتعاون المشترك.
الجدير بالذكر بأن مبادرة سوق الغذاء العربي هي إحدى المبادرات المنبثقة عن الرؤية العربية للاقتصاد الرقمي التي تم الإعلان عنها بمدينة أبو ظبي في ديسمبر 2018، برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة – حفظه الله ورعاه، وتم اعتمادها في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في الجزائر شهر نوفمبر 2022.
كما تم اعتماد مبادرة سوق الغذاء العربي من المجلس الاقتصادي والاجتماعي في جامعة الدول العربية بدورته العادية رقم 111 برقم 2375 لتأسيس هذ السوق ليكون أحد دعائم الأمن الغذائي العربي، وخلق مسارات أكثر مرونة لتعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول العربية، بما سيسهم بدوره في زيادة زخم حركة التجارة فيما بينها، كما يهدف إلى ضمان تدفق سلس للبضائع والسلع بين الدول العربية، بهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للجميع.
القاهرة
المصدر: جريدة الوفد
جريدة الوطن
د. علي محمد الخوري
شهد العالم في فصل هذا الصيف من عام 2023 موجة شديدة الحرارة تعد هي الأعلى في تاريخ الكرة الأرضية بالعصر الحديث، تعود أسبابها إلى التغيرات المناخية الناتجة عن الانبعاث المفرط للكربون في الغلاف الجوي. يثير هذا الحدث المناخي المثير حالة من الهلع والخوف لدى المجتمعات الإنسانية ومن أن تؤدي درجات الحرارة القياسية وظروف الجفاف في انتشار حرائق الغابات والفيضانات وآثار بيئية حادة. وأصبح المجتمع العلمي والدولي ينوهون إلى الحاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات الكربون والانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة للتخفيف من الآثار المدمرة المحتملة للاحتباس الحراري.
تغيرات المناخ تزداد سوءاً على الكوكب
تؤكد التقارير العالمية بأن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض يتزايد باطراد، مع حدوث معظمها في العقود القليلة الماضية، وارتباطها المباشر بالأنشطة البشرية، وفي المقام الأول استخدام الوقود الأحفوري. فقبل الثورة الصناعية، كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون حوالي 280 جزءاً في المليون، ووصلت مستوياته بحلول عام 2021 إلى ما يقرب من 415 جزء في المليون، وهو أعلى مستوى له منذ 800 ألف عام على الأقل.
ويرى المجتمع العلمي بأن استمرار هذه الزيادة في درجات الحرارة قد تؤدي إلى مجموعة من الآثار الكارثية على البيئة والنظم البيئية والمجتمعات البشرية كالتسبب في الفيضانات والأعاصير والعواصف، وموجات الحر والجفاف الأكثر تواتراً وشدة، والتأثير على الحياة البحرية والنباتية والحيوانية وفقدان التنوع البيولوجي، وتدمير ملايين الهكتارات من المحاصيل حول العالم، فضلاً عن الآثار الضارة على صحة الإنسان كتفشي الأمراض والأوبئة والمجاعات الشديدة في المستقبل القريب.
تأثير تغير المناخ على جنوب شرق آسيا
كشف صندوق النقد الدولي عن حجم الآثار الخطيرة لتغير المناخ على دول جنوب شرق آسيا، وتوقع انخفاضاً بنسبة 11% في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في السنوات المقبلة إذا ظلت أزمة المناخ خارجة عن السيطرة. وبينت دراسة أخرى أجرتها مجموعة “Versk Maplecroft” المتخصصة في تحليل المخاطر والقضايا البيئية، عن احتمال وصول الخسائر في هذه الدول إلى 35% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2050.
وتوضح التقارير بأن تغيرات المناخ قد تؤدي إلى نكسة اقتصادية في هذه البلدان ونزوح جماعي محتمل وارتفاع أنماط الهجرة إلى الخارج، مع لجوء الملايين إلى الدول الأكثر ثراءً، بما في ذلك دول منطقة الخليج العربي – التي تستضيف حالياً ما يقرب من 25 مليون عامل من آسيا – وهو ما قد يضع هذه الدول أمام تحديات مختلفة ستمثل ضغوط اقتصادية مرهقة وأمنية واجتماعية في الوقت نفسه.
معالجة أزمة المناخ: توصيات السياسة
من الواضح بأنه لم يعد أمام صانعي السياسات سوى التركيز على معالجة الأسباب الجذرية للتحديات التي تواجهها، خاصةً أزمة المناخ وتأثيرها المحتمل على معدلات الهجرة. وينبغي هنا العمل على عدة مسارات إجرائية. تأتي في مقدمتها إعطاء الأولوية لتطوير وإنفاذ السياسات التي تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون، ويشمل ذلك الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، وتعزيز كفاءة الطاقة، وتشجيع الممارسات المستدامة في القطاعات الصناعية.
المسار الذي يليه مرتبط بتعزيز مستوى التأهب للكوارث والمرونة. فالاستثمار في تدابير التأهب للكوارث والقدرة على الصمود يمكن أن يخفف من تأثير الكوارث المناخية، وذلك يتطلب تخصيص الموارد لبناء البنية التحتية التي يمكن أن تصمد أمام الظواهر الجوية المتطرفة ووجود آليات الاستجابة الفعالة للكوارث.
المسار الاستراتيجي الآخر متعلق بتعزيز التعاون الإقليمي، والذي يستوجب تطوير نهج شامل لمواجهة تحديات الهجرة الناشئة عن تغير المناخ. ويمكن أن يشمل ذلك مبادرات مشتركة للتنمية الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، واستراتيجيات التكيف مع تغير المناخ.
وفي هذا السياق، لا بد للدول خاصةً دول الخليج التخطيط الاستباقي للتعامل مع التوترات الاجتماعية والاقتصادية المحتملة المصاحبة للهجرة الناجمة عن تغير المناخ. فتبني السياسات المستدامة والتطلعية أمر بالغ الأهمية لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والقدرة على مواجهة هذه الأزمة العالمية.
أبوظبي
المصدر: مفكرو الإمارات
د.علي محمد الخوري
أسفرت قمة مجموعة “بريكس”، التي استضافتها مدينة جوهانسبرج في جنوب إفريقيا، عن قرار من شأنه أن يُعيد تشكيل ديناميكيات الخريطة الاقتصادية العالمية. وقد فتح قادة هذه المجموعة الأبواب أمام ثلاث دول عربية -تشمل الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية- للانضمام إليها، إلى جانب الأرجنتين وإثيوبيا وإيران، ابتداءً من عام 2024.
وتُعد مجموعة “بريكس”، التي تتكوَّن في الأصل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، تكتلًا دوليًّا للاقتصادات الناشئة يرى محللون أنه قد يؤدي دورًا مهمًّا في تشكيل المشهد الاقتصادي والسياسي والعالمي، ويقوض الهيمنة الغربية، وينهي نظام القطب الواحد.
وتهدف المجموعة، التي بدأت مفاوضات تشكيلها في عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمَّة لها في عام 2009، إلى تمتين العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين أعضائها، وتنسيق المواقف في القضايا العالمية والإقليمية، وتشكيل قوة محركة لنظام عالمي جديد. والمؤثرُ في هذا التكتُّل هو أنه سيغطي بأعضائه الجُدد 26 في المئة من مساحة العالم، ويضم 43 في المئة من سكانه، ويستحوذ على ما يقارب 30 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي.
الانتعاش المحتمَل في المنطقة العربية
قد يكشف الاندماج المرتقب للدول العربية في نطاق عمل مجموعة “بريكس” عن عدد لا يُحصى من المكاسب المحتمَلة، تأتي في مقدمتها المزايا التجارية والاستثمارية التمويلية، الكفيلة بتمكين خطط الإصلاحات الاقتصادية، وتنفيذ المشروعات القومية، وإتاحة مجالات كبرى لتوسيع رؤية التعاون الاقتصادي العربي، وتوحيد الاتجاهات والاستراتيجيات الاقتصادية العربية للتعامل مع الأزمات العالمية، بما يضمن تحقيق النمو الاقتصادي وأهداف التنمية المستدامة، ويُحسّن جودة النمو بتشجيع التنمية الاقتصادية المبتكرة القائمة على التكنولوجيا المتقدمة وتنمية المهارات.
وترتبط المكاسب الأخرى بأهداف المجموعة المرتكزة على تعزيز المشاركة، والتعاون بين الدول الأعضاء، وتحسين أوضاع الدول النامية والناشئة في جميع أنحاء العالم، سواء من حيث التمثيل في المؤسسات المالية الدولية، أو تحسين أداء النظام التجاري المتعدد الأطراف، وبيئة التجارة والاستثمارات الدولية التي تستهدف إعادة التوازن إلى النظام العالمي.
وقد تُهيّئ هذه العضوية الدول العربية للاستفادة من “بنك التنمية الجديد”، الذي تديره دول المجموعة، ويبلغ رأس ماله 100 مليار دولار، ويمكن أن يمثل موردًا محوريًّا لتطوير البِنى التحتية، ولا سيَّما في المجالات الحيوية مثل النقل والطاقة، وخاصة في ظل توسع النفوذ والقدرات الإقراضية للبنك، وتركيزه على التنمية المستدامة، وتكنولوجيا الطاقة المتجددة، وهي مجالات تُعد حديث الساعة، وموضوعات دائمة ومؤرقة على طاولة القرار الدولية.
ويمكن لهذه الشراكة أن تعزز أيضًا نماذج التبادلات التجارية في الدول العربية للتحول نحو العملات المحلية وتدعيم السيادة المالية، وتقليل الاعتماد على الأنظمة النقدية الحالية المستندة في جوهرها إلى الدولار الأمريكي، في وقت تعاني فيه كثير من هذه الدول تراجع قيمة عملاتها المحلية أمام العملات الأجنبية، وشُح الدولار في أسواقها.
تحديات تلوح في الأفق
بينما تستعد الدول العربية للاندماج في النسيج الاقتصادي المؤثر لمجموعة “بريكس”، فإنها تقف -بلا شك- على مقربة من الفرص الواعدة؛ ولكنَّ التحرك إلى الأمام نحو التحولات المطلوبة قد تحجبه تحديات محتمَلة تتطلب -بالضرورة- عدسة ذكية ومتوازنة لتقييم المشهد، وتجاوز التحديات، والاستفادة من الفرص.
ومن أبرز هذه التحديات مسألة المواءمة الاقتصادية؛ ففهْم كيفية تطابق الأهداف الاقتصادية للدول العربية مع أهداف دول “بريكس” الحالية يُعد أمرًا بالغ الأهمية؛ فقد تعوق الفروق الثقافية الدقيقة لدول “بريكس” التفاهم المشترك بمرور الوقت؛ ولذلك ستحتاج الدول العربية إلى التمعن في كيفية الاندماج بسلاسة في هذا النسيج الثقافي، أو إذا ما كانت هناك ديناميكيات تتطلب معالجتها مزيدًا من التنسيق والجهود الجماعية.
وقد تُشكّل البيئات التنظيمية عبئًا كبيرًا يفرض على الدول العربية تبني هياكل تنظيمية متناغمة مع الأُطر الراسخة لمجموعة “بريكس”؛ وربما تؤدي الاختلافات في هذا المجال إلى إعاقة العمليات والاستثمارات الفعَّالة بين دول المجموعة؛ ما يستلزم اتخاذ تدابير وطنية مختلفة لسد هذه الفجوات.
وفيما يخصُّ البنية التحتية التي تُعد محور التركيز المتكرر لمجموعة “بريكس”؛ فإن هناك تساؤلًا يطرح نفسه يتمحور حول جاهزية الدول العربية من حيث البنية التحتية والتكنولوجيا اللازمة للاستفادة من مبادرات البنية التحتية ضمن نماذج مجموعة “بريكس” الحالية، وإمكانياتها؛ وذلك سيتطلب النظر في وضع الاستراتيجيات المعززة للاندماج، والتكامل البَيْني على مستوى النظم.
وأما إدارة الموارد المشتركة ، سواء الموارد البشرية أو رؤوس الأموال، فقد تمثل متاهه أخرى مملوءة بالتعقيدات؛ فصياغة الآليات اللازمة لضمان المنفعة العادلة لجميع الأعضاء، واستباق الصراعات المحتمَلة على الموارد، تُعد ضرورة لا يمكن إنكارها.
ونأتي إلى الجزء المحوري، وهو التحول نحو التداول بالعملات المحلية؛ فبرغم أنه قد يكون واعدًا؛ لكنه لا يكاد يخلو من تعقيدات؛ وسيتعيَّن على الدول العربية قياس مدى استعداد أنظمتها الوطنية للتعامل مع مثل هذه الآليات التجارية بفاعليَّة.
وبالتوازي مع هذه التحديات المتشابكة لا يمكن التغاضي عن أهمية مزامنة الاستراتيجيات الفردية للدول مع الرؤية الشاملة لمجموعة “بريكس”، ولا سيَّما أن كل دولة ستأتي بخلفيَّتها السياسية، وسيكون من الأهمية بمكانٍ مواءمة هذه السياسات من أجل تحقيق النمو الجماعي.
ويطرح ذلك كله تساؤلًا آخر عن الكيفية التي ستتعاون بها الدول العربية مع نظيراتها في مجموعة “بريكس”، وخاصة في وضع الاستراتيجيات المتعلقة بإدارة الأزمات، في ظل الطبيعة المتغيرة للمشهد العالمي، التي لا يمكن التنبؤ بها، والمملوءة بالمفارقات الاقتصادية والسياسية؛ ويؤكد ذلك أهمية إنشاء قنوات اتصال قوية وشفافة مع الأعضاء الحاليين في مجموعة “بريكس”، انطلاقًا من أن ذلك حجر الأساس للتكامل الناجح بين الدول العربية والمجموعة.
ولا بدَّ من الانتباه إلى حقيقة أن الدول الجديدة المنضمَّة قد دخلت هذه المجموعة وهي تحمل خلافات سياسية تتراوح بين الحدَّة والكُمون، وخاصةً تلك المرتبطة بمواقفها واتجاهاتها بشأن الهيمنة الاقتصادية والسياسية، والسيطرة على الموارد الرئيسية مثل المياه والطاقة. وينبغي هنا العمل على مراجعة التحالفات الإقليمية والاقتصادية العالمية الناجحة، مثل الاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجموعة السبع الصناعية؛ والاستفادة من تجاربها في بناء القدرات على احتواء الخلافات، وكبحها، وتحويلها قضيةً قابلةً للإدارة الهادئة، وبعيدًا عن الصخب الإعلامي والإثارة، وهنا قد تأتي هذه التحالفات الاقتصادية بحلول عجزت عنها السياسة.
الدول العربية وصناعة المستقبل
يمثل انضمام دول عربية إلى مجموعة “بريكس” محطة مهمَّة في الاقتصاد العالمي. ويجب على الدول العربية أن تعي أن هذا التكتل الجيوسياسي والاقتصادي يحمل تعهدات قد تعمل على إعادة ضبط الديناميكيات الاقتصادية العالمية، وهو ما يلقي بالمسؤولية على راسمي السياسات في المنطقة العربية لتوجيه التحالف بما يضمن نموها المستدام، والالتزام المشترك للدفع قُدُمًا بالسلم والأمن الوطني والدولي في الوقت نفسه. ولا بدَّ من توجيه الطريق إلى الأمام بالحكمة، وقِيم الانفتاح والتسامح والتعاون؛ فالتحالف بات -حتمًا- في طريق ستُعيد تشكيل معالم التجارة الدولية والتنمية والدبلوماسية، وسط ترقب دولي لتوسيع هذا التحالف، وانضمام دول جديدة إليه؛ ولا شكَّ في أن المستقبل المنتظر يعِد بإمكانيات وفرص لن يحُدُّها سوى الرؤى والمساعي.
أبوظبي
المصدر: مفكرو الإمارات
د.علي محمد الخوري
تشهد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تطورات سريعة ومثيرة في قطاعات متعددة، وخاصةً القطاعات الاقتصادية والخدمية والتكنولوجية والصناعية؛ فعلى مدى السنوات الماضية شهِدت المنطقة تحولات ملحوظة من الاعتماد على موارد الطاقة التقليدية، مثل النفط والغاز، إلى زيادة التركيز على تنويع مصادر الدخل والمرونة الاقتصادية. وقد أصبح هذا التنويع، الذي يأتي ثمرةً للخطط الاستباقية التي تنهجها دول المجلس، يتبلور ويتضح مع مشروعاتها الطموحة لتطوير البنى التحتية، وتنفيذها مشروعات النقل والمواصلات والطيران والتعليم والصحة والطاقة النظيفة، وبيئات الأعمال التنافسية والمباني الآمنة والصحية. وبرز قطاع السياحة المزدهر، على وجه الخصوص، بصفته ركيزة أساسية في استراتيجيات التنويع، ومسهمًا جديدًا وكبيرًا في الدخل القومي لدول المنطقة.
قطاع السياحة بصفته محفزًا للنمو الاقتصادي
يمثل قطاع الخدمات القطاع الأكثر دخلًا والأكثر هيمنة على الناتج الاقتصادي العالمي، وتسهم السياحة إسهامًا كبيرًا في الأنشطة الاقتصادية؛ إذ بلغ في عام 2022 -بحسب المجلس العالمي للسفر والسياحة- ما يقارب 7.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ أي بنحو ثمانية تريليونات دولار. ويؤدي القطاع السياحي –الذي غدا ذا أولوية إنمائية في جميع أنحاء العالم- دورًا رئيسيًّا في تحفيز نمو الدخل الوطني والصادرات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، ومصدرًا مهمًّا للنقد الأجنبي والإيرادات الضريبية؛ كما يؤدي دورًا كبيرًا في توفير فرص عمل بلغت -وفق إحصائيات عام 2022- أكثر من 330 مليون فرصة على مستوى العالم.
وقد دفعت هذه المعطيات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى إعطاء الأولوية لتنمية قطاع السياحة بصفته أحد الروافد الأساسية لاقتصاداتها، وكرَّست جهودها لإنشاء بنية تحتية سياحية قوية، تضم فنادق وقرًى ومواقع سياحية مشهورة ومطارات متطورة. وإلى جانب ذلك ركَّزت دول المنطقة أيضًا على تدريب القوى العاملة المؤهلة والماهرة لضمان التميز في تقديم الخدمات، وتأكيد دور القطاع الحيوي في دعم الآفاق الاقتصادية بالمنطقة.
النهج الاستراتيجي في ريادة الاستثمار السياحي
تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة، على وجه الخصوص، بصفتها واحدةً من أكثر الدول تقدمًا في المنطقة العربية في مجال السياحة؛ وكانت الدولة قد أطلقت استراتيجيها الوطنية للسياحة، التي ارتكزت على 25 مبادرة وسياسة تدور حول أربع ركائز رئيسية تشمل تعزيز الهُوية السياحية الوطنية، وتطوير المنتجات السياحية المتخصصة وتنويعها، وبناء القدرات السياحية، وزيادة الاستثمارات في مختلف القطاعات السياحية.
وتتضمَّن الاستراتيجية، التي تمتد حتى عام 2031، مجموعة متنوعة من أنواع السياحة، مثل السياحة التاريخية والترفيهية والعلاجية والبيئية؛ ما يجعل دولة الإمارات وجهة عالمية جاذبة لمختلف الاهتمامات؛ كما تشمل الاستراتيجية أهدافًا طموحة لرفع إسهام قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي الوطني ليصل إلى 450 مليار درهم، وجذب 100 مليار درهم من الاستثمارات الجديدة، واستضافة 40 مليون نزيل في المنشآت الفندقية.
الخطة الطموحة للسياحة السعودية
تمثل السياحة في المملكة العربية السعودية القطاع الاقتصادي الثاني بعد قطاع المصارف والبنوك، من حيث فرص التوظيف للمواطنين السعوديين، الذين تبلغ نسبتهم 27.1 في المئة من إجمالي عدد العاملين في القطاع السياحي؛ وقد ازداد اهتمام المملكة بهذا القطاع مع تخصيصها استثمارات بقيمة 800 مليار دولار على مدى العقد المقبل.
ويهدف هذا الاستثمار إلى رفع إسهام قطاع السياحة في الدخل القومي إلى ما يقارب 10 في المئة، بزيادة كبيرة على النسبة الحالية المقدرة بنحو 3 في المئة. ولتسهيل هذا النمو نفذت المملكة العديد من الاستراتيجيات التنموية، ومنها التأشيرات السياحية الإلكترونية التي سمحت لـمواطني 49 دولة بالدخول إلى الأراضي السعودية بالموافقة السابقة، وتخفيف متطلبات الدخول عن الدول الأخرى، فضلًا عن العديد من المبادرات المدرجة في رؤية 2030 ذات الصلة بتطوير المَرافق والبنية التحتية السياحية، وتكثيف جهود التسويق السياحي والتجاري، وتعزيز السياحة الدينية والترفيهية. ويبدو أن المملكة العربية السعودية بدأت تجني ثمار هذه الاستراتيجيات؛ إذ ارتفعت إيرادات السياحة فيها إلى 4.45 في المئة العام الجاري، واستحدثت آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة في هذا القطاع.
الاستثمار السياحي وسيلة للتوظيف والتعاون
يُتوقع أن تعزز المشروعات السياحية الكبيرة الجاري إنشاؤها في المنطقة العربية نمو قطاع السياحة بشكل أكبر من إسهامها الحالي البالغ 3 في المئة من إجمالي حركة السياحة العالمية، إلى جانب توفير الملايين من فرص العمل المباشرة في دول مجلس التعاون. وتَعِد هذه المشروعات بخفض معدلات بطالة الشباب، وزيادة نسبة الإسهام القطاعي في الدخل القومي لدول المنطقة؛ ثم إن هذا القطاع من شأنه أن يعمل على إبراز قدرات منطقة الخليج في الساحة الدولية، ويعزز صورتها الذهنية العالمية، ويؤدي إلى تمتين السلام الاجتماعي، وتسهيل التعاون الدولي، وجذب الاستثمار العالمي إلى هذه المنطقة في مختلف القطاعات.
مستقبل الاستثمار السياحي الخليجي
لا شكَّ أن التطور التدريجي الخليجي في تسخير إمكانيات قطاع السياحة ستثبت نتائجه بالاستثمارات الاستراتيجية المتطلعة إلى تنويع القواعد الاقتصادية. ومع استمرار الدول الخليجية الكبرى، مثل الإمارات والسعودية، في تسخير إمكانيات هذا القطاع ستؤدي السياحة -بلا ريب- دورًا أكثر أهمية في تشكيل المشهد الاقتصادي المستقبلي لمنطقة الخليج العربي، وإظهار القوة التحويلية للاستثمار السياحي، والكشف عن دورها بصفتها محركًا أساسيًّا للتنمية الاقتصادية الوطنية، وإيجاد فرص العمل؛ ويفرض ذلك على صانعي السياسات الاستمرار في التركيز على الأولويات والابتكار في هذا القطاع؛ لضمان بقاء المنطقة لاعبًا رئيسيًّا في المسرح العالمي.
وفي هذا القطاع الحيوي تبرُز موجّهات عدَّة، أحدها مرتبط بتنمية الحاضنات الوطنية الداعمة للتطبيقات التكنولوجية والابتكار، مثل توظيف الذكاء الاصطناعي وتقنيات التواصل الاجتماعي في قطاع السياحة؛ لتعزيز تجربة خدمة المتعاملين، وترويج المَرافق السياحية، وتسويق مشروعات البنية التحتية الرئيسية ومناطق الجذب السياحي؛ وذلك يستدعي -بطبيعة الحال- الاستثمار المستمر في البنى التحتية للسياحة، وتدريب القوى العاملة لضمان تقديم خدمات عالية الجودة، ولكونه ضرورة لجذب السياح من مختلف دول العالم.
وتتمثَّل الموجّهات الأخرى في المراجعة الدورية للخطط الاستراتيجية والتشغيلية، والتأكد من تلاقيها وتكييفها مع متطلبات النمو المستدام والاتجاهات الناشئة في قطاع السياحة، وعدم إغفال حقيقة دور القطاع السياحي في تشجيع التعاون الدولي، وتقوية العلاقات الدبلوماسية في النظام العالمي.
وفي النهاية تجب الإشارة إلى أنه لضمان تطور الدول الخليجية، والمحافظة على قدراتها التنافسية في صناعة السياحة العالمية، وجني العوائد والفرص الاقتصادية العملاقة التي تقدمها؛ فإن المتطلب الرئيسي حتمًا سيكون معتمدًا على القدرة على الاستمرارية في التركيز الاستراتيجي والابتكار في هذا القطاع.
أبوظبي
عقد الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي عضو ملتقى الاتحادات العربية النوعية والمتخصصة بجامعة الدول العربية اجتماعاً تنسيقياً مع المعنيين في الاتحاد العربي للتعليم الموازي عضو ملتقى الاتحادات العربية النوعية والمتخصصة بجامعة الدول العربية بحضور كل من د. أيمن مختار غنيم الأمين العام المساعد في الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي ود. خالد النقبي رئيس الاتحاد العربي للتدريب والتعليم الموازي، وممثلين عن الجانبين.
بين الأمين العام المساعد للاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي المبادرات المنبثقة عن الرؤية العربية للاقتصاد الرقمي والتي يشرف الاتحاد على تنفيذها حالياً كمنصة الجامعة الرقمية العربية، وسوق الغذاء العربي، ومبادرة تأهيل مليون رائد أعمال عربي لما لها من فائدة على المنطقة العربية.
وتطرق د. خالد النقبي إلى أهمية مشاركة الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي في المبادرة التعليمية والتدريبية على الذكاء الاصطناعي التي سيتم تقديمها لجميع أعضاء الاتحادات النوعية المتخصصة، بالإضافة إلى تدريب منتسبي جامعة الدول العربية على التحول الرقمي والحكومة الإلكترونية.
وفي نهاية الاجتماع أبدى د. خالد النقبي ترحيبه واهتمامه بالمبادرات المنبثقة عن الرؤية العربية للاقتصاد الرقمي، وأكد على أهمية “الرؤية” في تنمية مجالات الاقتصاد الرقمي في المنطقة العربية. واتفق الجانبان على بعض الخطوات التنسيقية.
أبوظبي
المصدر: مفكرو الإمارات
د.علي محمد الخوري
بينما يُصارع العالم للتعامل مع تغيُّر المناخ؛ بصفته من أهم القضايا البيئية على المستويين الوطني والعالمي، يسلِّط العلماء أضواءهم على الأنشطة الصناعية في أنحاء العالم؛ فهي من القطاعات الرئيسية المسهمة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؛ ما جعل العديد من الدول النامية تحت ضغوط دولية لتحمُّل مسؤولية أكبر في هذا السياق، خاصةً مع انتشار تقارير الانبعاثات العالمية، وتوسُّع شبكات مراقبتها.
وأدى الارتفاع الملحوظ في أنشطة الدول العربية الاقتصادية إلى ارتفاعات موازية في انبعاثات الكربون، بزيادة وصلت إلى 192% في العقود الثلاثة الماضية. وتؤكد هذه المؤشرات الحاجة الملحَّة إلى مراجعة سياسات الطاقة الحالية، والتحول إلى الممارسات المستدامة، والتيقُّظ للسياسات العالمية التي قد تفرض المواءمة والامتثال للحدود المتفَق عليها في الاتفاقيات الدولية؛ أو مواجهة الضرائب وصولًا إلى العقوبات، بحسب ما ينادي به كثيرون.
العلاقة المعقَّدة بين النشاط الصناعي وانبعاثات الكربون
بلغ نصيب الدول العربية من ثاني أكسيد الكربون الأحفوري، في عام 2021، أكثر من ملياري طن، وهي تشكل 5.45% من إجمالي الانبعاثات العالمية وفق إحصاءات الاتحاد الأوروبي. واللافت للنظر هنا هو الارتفاع الضخم في حجم الانبعاثات، التي كانت تقف عند مستوى 0.7 مليار طن في عام 1990.
وما يهمنا هو العلاقة التفاعلية بين النمو الصناعي، واستهلاك الطاقة، وانبعاثات الكربون، على المستويَين القطاعي والوطني؛ ما يُعَدُّ أمرًا بالغ التعقيد، ويتطلَّب تكوين فهم أعمق لديناميكيات هذه العلاقة من أجل تصميم سياسات فعَّالة ومستدامة.
ولن يكون من السهل على الدول العربية، بهياكلها الاقتصادية المتنوعة، وأنظمة إنتاج الطاقة واستهلاكها التي تميل إلى أن تكون غير مستدامة، تبنِّي خطط عمل تضمن النتائج المستهدفة؛ فالمهمة معقدة بسبب العديد من العوامل المتشابكة، التي تعود في مجملها إلى اعتماد الاقتصادات العربية الكبير على الوقود الأحفوري، والبنى التحتية الحالية المصمَّمة لتلائم استخدامات النفط والمشتقات النفطية، فضلًا عن المقاومة المتوقَّعة من العامَّة؛ لإحداث تغيير حقيقي في أنماط الحياة اللازمة للحد المُجدي من الانبعاثات. وتأتي هذه التعقيدات بالتوازي مع التكلفة التي يتطلَّبها الانتقال إلى أي نمط أكثر استدامةً في مجال الطاقة، وهي التكلفة التي لا تتحمَّلها الموازنات العربية، ولا سيما في ظل حالة تضخم، وأزمات اقتصادية متتالية.
وغالبًا ما يكون المشهد السياسي مثيرًا للجدل عند التعامل مع السياسات البيئية؛ ما يزيد من صعوبة تنفيذ الإجراءات البيئية المطلوبة واقعًا.
تغير قواعد اللعبة مع الطاقة المتجددة
أصبح مؤكدًا أن أخطار تغير المناخ المحدقة تتطلب تحولات براجماتية في استراتيجيات تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ورسم الطريق لمستقبل مستدام منخفض الكربون. وبالنسبة إلى البلدان العربية لم يعُد الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة ضرورة بيئية فحسب، بل فرصة استراتيجية سانحة ومحرِّكًا مهمًّا لخلق فرص عمل وأسواق جديدة، ولا سيَّما فرص تصدير الطاقة النظيفة، إضافةً إلى إمكانيات بروزها دولًا رائدةً في مجال الاستدامة، وتعزيز سمعتها وتأثيرها الدولي.
لذا؛ فإن الحكومات العربية، والشركات العاملة في المنطقة، تحتاج إلى أن تعطي خفض بصمتها الكربونية الأولوية من خلال الاستثمار في ترشيد كفاءة الطاقة، وتحسينها، عبر القطاعات، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجدِّدة، وتشجيع منظومات الإنتاج الصديقة للبيئة، وتطوير أدوات التمويل الخضراء؛ لتحفيز التحول المطلوب على المستوى الوطني؛ إلى جانب حملات التثقيف والتوعية المجتمعية.
دور السياسات في تحفيز التحول الأخضر
لتحقيق الآمال المنشودة لا بدَّ أن تؤدي السياسات الوطنية دورًا حاسمًا في الدفع نحو تبنِّي خيارات الطاقة المتجددة، التي ستصبُّ بالتالي في المصالح الاقتصادية والبيئية للدول العربية. والنقطة المحورية هنا هي أهمية مراعاة حقيقة أن مستويات الدخل المرتفعة تميل إلى الارتباط بزيادة الوعي البيئي، والتقدم التكنولوجي؛ ما يتطلَّب من صانعي السياسات إعطاء الأولوية للمبادرات الصديقة للبيئة، مثل مشروعات المدن الذكية، التي يمكن أن تخفِّف من انبعاثات الكربون، وتعزز نوعية حياة المواطنين.
تحديد الأهداف الطموحة للانبعاثات الصفرية
تتطلَّب معالجة تغير المناخ، إلى جانب السياسات العامة، تبني أهداف طموحة لخفض صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر؛ فما دامت معدلات تصدير الغازات تفوق انبعاثات أحواض الكربون الطبيعية، مثل الغابات والأراضي العشبية؛ فإن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سيستمر في الارتفاع. ومن ثمَّ لم يعُد أمام الدول العربية خيار سوى التزام التخطيط لمستقبل خالٍ من الانبعاثات، وإلا فسيكون عليها مواجهة الأخطار الحتمية على اقتصاداتها، وتجارتها العالمية، ومشروعاتها التنموية، وصحة سكانها.
ولا بد أن تتضمَّن عملية التخطيط للعمل المناخي تحديد التكلفة الحقيقية لانبعاثات الكربون؛ وتطوير السياسات المالية المشجِّعة لاقتصاد منخفض الكربون، مثل أدوات التمويل الأخضر (القروض، أو السندات، أو المنح الهادفة إلى تمويل المشروعات والابتكارات المستدامة).
الكهرباء النظيفة بصفتها منارة لمستقبل مستدام
يُعَدُّ إنتاج الكهرباء، الذي يسهم بشكل كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، من المجالات الأساسية التي يمكن التركيز عليها. وتستطيع الدول العربية الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء النظيفة، ومن ثمَّ تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. كما يمكن أن يؤدي استخدام التقنيات الحديثة الموفِّرة للطاقة في الصناعات إلى زيادة كفاءة الطاقة، وتقليل الانبعاثات. وإضافةً إلى ذلك يمكن أن يسهم التحول في طلب المستهلكين للمنتجات الغذائية، وغيرها، المنخفضة الكربون في التخفيف من آثار تغيُّر المناخ.
ويزيد ذلك من أهمية دعم الحكومات قطاع تقنيات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة المائية، التي لا تستنفد الموارد الطبيعية، ولها تأثير ضئيل في البيئة إن لم يكن إيجابيًّا؛ بجانب تشجيع الصناعات على تبنِّي عمليات التصنيع الخضراء التي تتسم بالكفاءة، وتولِّد الحد الأدنى من النفايات.
ويمكننا القول إن الاستثمار في الكهرباء النظيفة هو استراتيجية حاسمة ومؤكَّدة لمعالجة تغير المناخ، وتحسين جودة الهواء.
السياسات الإقليمية الخضراء
إن العالم، بيئيًّا، أشبه ما يكون اليوم بالقرية الواحدة التي لا تفصلها الحدود؛ فالرياح والأعاصير والأمطار تتحرك بما تحمله من دولة إلى أخرى، وتؤثر في بعضها بعضًا، سواء بالارتفاع بدرجات الحرارة، أو انخفاضها الكبير، وقد تؤدي إلى حدوث الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والسيول؛ ولهذا اكتسب الموضوع حقوقًا متداخلةً بين الدول لعدم استقلالية الأداء البيئي، سواء كان جيدًا، أو سيئًا.
وفي سياق مناقشات الحلول يبرُز محور تشكيل منظمة، أو تكتل عربي لتوحيد السياسات والمواقف بالمحافل الدولية؛ فأغلب ما تعانيه المنطقتان العربية والإفريقية من التلوث البيئي ومآسي تغير نسب الكربون، إنما مردُّه، في الأغلب، إلى الخارج، وخاصة طوال القرن الماضي؛ نتيجةً للنهضة الصناعية التي انتشرت في العديد من دول العالم المتقدمة صناعيًّا. وحتى نحقق التوازن بين الحقوق والواجبات؛ فعلى تلك الدول، التي حققت تفوقها الصناعي خلال المرحلة السابقة، أن تتحمَّل مسؤولياتها الأخلاقية في مساعدة البلدان النامية في جهود التخفيف والتكيُّف؛ وذلك في حد ذاته يُبرز أهمية توحيد المواقف العربية.
كما أصبح ضروريًّا ترجيح المنطق العقلي الجماعي في فهم الأحداث، وتنسيق المواقف العربية، بدلًا من الاعتماد الكلي على المواقف الدولية؛ فعودة العديد من الدول الأوروبية إلى حرق الفحم والخشب في الشتاء الماضي للحصول على الطاقة بصفته حلًّا بديلًا لأزمة الغاز الروسي؛ كان لها أثر كبير في متوسط درجة الحرارة بالكوكب هذا الصيف. وتتضح مرة أخرى مصلحة الدول العربية في ترشيد هذه التصرفات؛ والإشارة إليها بجرأة بدلًا من التموضع بمحل اللوم من تلك الدول المتسبِّبة بأزمات البيئة فعليًّا.
التنمية المستدامة من منظور طويل الأجل
في النهاية، ممَّا لا شك فيه أن رحلة خفض انبعاثات الكربون تتطلَّب منظورًا طويل المدى، وتعاونًا دوليًّا من جميع الأطراف؛ ولكن لا ينبغي توزيع المسؤولية بالتساوي بين جميع الدول، فالمسألة الجدلية ستبقى دائرة في عقولنا بشأن الأبعاد السياسية لقضية المناخ؛ بصفتها وسيلة للتحكم، أو إبطاء التقدُّم الاقتصادي في الدول النامية.
وعلى كل حال يحتاج صانعو السياسات في المنطقة العربية إلى إعطاء الأولوية للتنمية المستدامة الطويلة الأجل، وتجاوز الخيارات السريعة والحلول غير المكلِّفة، والتزام التغييرات الهيكلية والتنظيمية المطلوبة. ولا بدَّ أن تراعي الخطط الوطنية وضع الأهداف الذكية، والتكتيكات التشغيلية المحفِّزة، ومعايير رصد التقدُّم في رحلة التنمية المستدامة المنخفضة الكربون.
إن المهمة ملحَّة، والتحديات كبيرة، والقرارات التي ستتخذها الحكومات اليوم ستحدِّد الآثار البعيدة المدى في مستقبلَيها الاقتصادي والبيئي.
القاهرة
المصدر: جريدة الوفد
د. علي محمد الخوري
في تطور مثير للقلق لسوق الغذاء العالمي، انسحبت روسيا مؤخرًا – في منتصف يوليو 2023 – من اتفاقية تصدير الحبوب. تأتي الخطوة الروسية بعد أن شهدت أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية زيادة حادة تجاوزت نسبة 40% في أعقاب الصراع الدائر في أوكرانيا. فطرفي النزاع يعدان مساهمين رئيسيين في إمدادات الغذاء العالمية، فالدولتين تعدان من أهم مُصدّري الحبوب كالقمح والشعير والذرة وزيت عباد الشمس والأعلاف والأسمدة وغيرها من المنتجات الضرورية.
القرار الروسي في أبسط أشكاله يشير إلى أزمة حابسة لأنفاس العالم قد تؤدي إلى تعميق نزيف الاقتصاد العالمي المستمر منذ جائحة كورونا وقبلها، وبات يتطلب بالضرورة إعادة تقييم سياسات الأمن الغذائي الدولية.
اتفاقية تصدير الحبوب وتهديد شريان الحياة في النظام العالمي
بعد بدء الحرب الروسية في فبراير من العام السابق، تم وضع اتفاقية الحبوب الأوكرانية-الروسية عبر البحر الأسود – وهو المنفذ البحري الوحيد لأوكرانيا لتصدير الحبوب إلى العالم – وسط امتناع دول شرق الاتحاد الأوروبي للتصدير من خلالها. فحجية امتناع دول مثل بولندا مبنية على أن تصدير أوكرانيا للحبوب عبرها يضر بمصالحها ويقوض من إنتاجها المحلي، ويؤثر على سوق محاصيلها جَرّاء الفوائض وتكدّسات الصوامع نتيجة الاختناقات اللوجيستية. يذكر بأن الاتفاقية قد سهلت شحن من 40 مليون طن من الحبوب منذ توقيعها في يوليو 2022.
الاتفاق المكسور
يتوقف قرار روسيا بالانسحاب من اتفاقية الحبوب على عدة قضايا رئيسية. تتركز مطالب روسيا وفق صفقة الحبوب على إعادة ربط البنك الزراعي الروسي مع نظام الدفع الدولي “سويفت”، واستئناف توريد الآلات الزراعية وقطع الغيار اللازمة للزراعة الروسية، ورفع الحظر الغربي عن لوجستيات النقل والتأمين، وإعادة إحياء خط أنابيب الأمونيا بين مدينتي تولياتي الروسية وأوديسا الأوكرانية، وإلغاء تجميد أصول الشركات الروسية وحسابات الشركات العاملة في مجال تصدير المواد الغذائية والأسمدة.
ومن بين الأسباب الدافعة لروسيا للانسحاب من اتفاقية الحبوب هو استخدام أوكرانيا الممر البحري الآمن المخصص لنقل الحبوب لتنفيذ هجمات ضدها بطائرات مسيّرة وهجمات أخرى مختلفة. كما أنه وبحسب الرواية الروسية، هو عدم الالتزام بنصوص الاتفاقية والتي تنص على وصول القمح الأوكراني للدول الفقيرة والنامية بل وصوله فقط وبشكل حصري للدول الغنية الغربية في الاتحاد الأوروبي. وتشير الاحصاءات بأن 43% من الحبوب الأوكرانية المشحونة بحرياً نقلت إلى أوروبا، بينما 17% منها فقط وجد طريقه للدول المتوسطة و2.5% منها ذهب للدول الفقيرة في إفريقيا التي تعتمد على إنتاج البلدين بالأسعار المخفضة.
التأثير على سوق الغذاء العالمي
إنهاء روسيا لاتفاقية تصدير الحبوب ليست مجرد قضية جيوسياسية، فمن المرجح أن تتردد أصداء تداعياتها عبر سوق الغذاء العالمي، وتؤثر على الدول البعيدة عن بؤرة هذا الصراع. فتعطل الأنشطة التصديرية سيتسبب حتماً في اضطرابات كبيرة في الأسواق الدولية. ستحتاج المنطقة العربية، بما في ذلك منطقة الخليج العربي وشمال إفريقيا، والتي تعد واحدة من أكبر مستوردي الذرة والقمح والأعلاف الروسية-الأوكرانية، إلى البحث عن مصادر بديلة للإمداد. وعلى الرغم من أن الدول العربية قد نوعت مصادر وارداتها لتجنب تطورات الأزمة المحتملة، إلا أنه من المتوقع أن يكون لقرار روسيا بوقف الاتفاقية تأثيرات كبيرة لا يمكن إنكارها على الأمن الغذائي في كامل المنطقة العربية. ولكن جميع السيناريوهات تشير إلى أن المنطقة العربية ستواجه ارتفاعات في أسعار المواد الغذائية فضلاً عن نقص في نسب الإمداد.
كما أن أسعار الغذاء العالمية، التي تضخمت بالفعل بسبب الصراع المستمر، قد تشهد مزيدًا من التصعيد، وسيؤدي إلى زيادة تكلفة المعيشة وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، لا سيما في الدول النامية. وسيزداد الوضع تعقيدًا بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي الشرقي التي تعتمد بشكل كبير على الحبوب الأوكرانية. وقد يؤدي عدم الرغبة في السماح لأوكرانيا بتصدير الحبوب عبر أراضيها إلى عدم استقرار السوق المحلية والتأثير على اقتصاداتها الزراعية.
كما ويحمل إنهاء هذه الاتفاقية تداعيات كبيرة على المعونات الغذائية العالمية، مع انخفاض أسعار الحبوب الأوكرانية المتاحة للدول الفقيرة والنامية، مما قد يؤدي إلى تفاقم الجوع في المناطق التي تعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي. ومن ثم، فإن تأثير انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب بعيد المدى، قد يؤثر على الأمن الغذائي الإقليمي وبالتتالي على أسعار السلع الدولية وكارثة اقتصادية قادمة.
التطلع إلى الأمام: الحاجة إلى التدخلات الدبلوماسية ومراجعات السياسة
ستتوقف الجهود الدولية الجارية لإعادة اتفاقية الحبوب على إمكانية الوصول لحلول ترضي أطراف النزاع خاصة في جزئية المطالب الروسية. ويحتاج صانعو السياسات في جميع أنحاء العالم إلى العمل بشكل استباقي للتخفيف من هذه آثار مثل هذه الخطوات التصعيدية والعمل على تشكيل شراكات تجارية وخطط استثمارية جديدة لضمان الاستقرار في السلاسل العالمية لإمدادات الغذاء.
وبينما تستمر المفاوضات، يحتاج صانعو السياسات إلى تقييم الآثار طويلة المدى لمثل هذه الصراعات الجيوسياسية على الأمن الغذائي العالمي. فضمان تنويع مصادر استيراد الأغذية، والاستثمار في القطاعات الزراعية المحلية، وصياغة اتفاقيات دولية قوية لمواجهة مثل هذه الأزمات يمكن أن تكون استراتيجيات محتملة للتخفيف من آثار مثل هذه النزاعات، ولكنها ستبقى حلول وقتية.
أزمة اتفاقية الحبوب الروسية-الأوكرانية تؤكد على الروابط المعقدة بين الجغرافيا السياسية والأمن الغذائي. فهي جرس إنذار مبكر للتذكير بواقعية الحاجة إلى الحكمة لتجاوز الخلافات والتخطيط الاستراتيجي والتعاون الدولي لحماية سلاسل الإمدادات الغذائية في العالم من حالة عدم اليقين السائدة والمستقبلية.
أبوظبي
المصدر: مفكرو الإمارات
د.علي محمد الخوري
في الوقت الذي تكافح فيه الاقتصادات الأوروبية آثار تغير المناخ وأزمات الطاقة وانعكاسات التوترات الدولية المتصاعدة، تشهد منطقتا إفريقيا والخليج العربي تحولاتٍ كبيرةً تشير إلى احتمالات تحول في الموازين الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية لمصلحتهما؛ فالاحتياطيات الوفيرة من الموارد الطبيعية، إلى جانب معدلات النمو الاقتصادي الملحوظة في دول المنطقتين، تجعلها مراكز محتملة للأنشطة الاقتصادية العالمية في المستقبل القريب؛ ما يستوجب انتباه راسمي السياسات للنظر إلى تداعياته، ومن ثم تطوير الخطط المعززة للانتقال السلس وضمان مستقبل اقتصادي مستدام. دعونا نرى هذه الصورة بمزيد من التفصيل.
التغير المناخي والموازنات التريليونية لمواجهة أزمة الطاقة في أوروبا
تشير توقعات الاقتصاديين إلى عوامل كثيرة قد تُسهم في هذا الانتقال المحتمل؛ ومن أهمها التغيرات المناخية الكبيرة التي شهدتها أوروبا، المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة إلى 48 درجة مئوية، وأدت إلى موجات من الجفاف الشديدة التي لم تحدث منذ ألف عام، إضافة إلى انخفاض مياه الأمطار عن معدلاتها في الأعوام السابقة، ونشوب حرائق الغابات الواسعة، وانكماش الأنهار، وتقلص إمدادات المياه الجوفية؛ ما اضطر بعض الحكومات الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات صارمة، مثل إغلاق المواقع السياحية، وحظر غسيل السيارات وري الحدائق العامة، إلى جانب خطط لتقنين الغاز الطبيعي، وإعادة تشغيل محطات الفحم.
وكانت وكالة الفضاء الأوروبية قد حذرت في وقت قريب من أن موجة الحر ستصل إلى معظم أجزاء أوروبا، مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا، وصولًا إلى بريطانيا. وتشير الإحصاءات الأوروبية إلى أن نسبة الوفيات المرتبطة بتأثير درجات الحرارة الصيفية المرتفعة قد زادت، لتصل إلى ما يقرب من 62 ألف حالة وفاة في أنحاء أوروبا عام 2022. ولا يقتصر التأثير المناخي على الأثر المباشر للحرارة، فالاحتباس الحراري سيُفضي إلى تفشي مزيد من الأمراض والأوبئة، مثل الملاريا وحمى الضنك، وتقلّص الموارد، ويمثّل تهديدًا مباشرًا لحياة الإنسان الأوروبي.
من جهة أخرى، فإن أزمة الطاقة في أوروبا تعد قضية مهمة أخرى أصبحت تهدد بركود اقتصاده بل وفي ظهور تحديات أمنية لم تعرفها القارة العجوز منذ عقود. فالحرب في أوكرانيا تسببت بإيقاف مشاريع الطاقة النظيفة منخفضة التكلفة وانتهاء عصر الاعتماد على البترول والغاز الروسي بأسعاره الزهيدة والرخيصة، والتي كانت من أهم مصادر ثراء أوروبا خلال العشرين عام الماضية. فمع ارتفاع أسعار مصادر الطاقة العالمية، وعدم قدرة حكومات الاتحاد الأوروبي على توفير مصادر الطاقة الرخيصة، لجأت الحكومات إلى وضع موازنات ضخمة لحماية الأُسر والأعمال التجارية من تداعيات الارتفاعات الكبيرة في أسعار الطاقة. وقد بلغ مجموع ما خصصته حكومات مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا أكثر من نصف تريليون يورو لتأمين احتياجات البلاد من الطاقة بعد توقف عشرات المصانع وارتفاع نسب البطالة إلى مستويات غير معهودة.
وعلى الرغم من الحزم الاقتصادية التي وضعتها الحكومات الأوروبية لتوفير مصادر الطاقة المرتفعة، ولا سيّما الغاز الطبيعي؛ فإن أزمة الطاقة، بحسب آراء المختصين، قد تستنزف ما بين 6% إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي؛ ما يمثّل عبئًا كبيرًا جدًّا على هذه الاقتصادات، في ظل معدلات النمو المنخفضة الناتجة من الصراعات والأزمات العالمية. وتبعًا لذلك يمكن أن تؤدي هذه الأعباء المالية، مقرونةً بآثار تغير المناخ في القطاع الزراعي، إلى إضعاف الاقتصاد الأوروبي، وزيادة الحاجة إلى الاقتراض، أو زيادة الضرائب، أو حتى طباعة النقود.
كما أن مجريات الأحداث في مجملها تُشير إلى أن هذه الأزمات المُركّبة قد تعصف بدعائم الاستقرار في أوروبا مع ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم وتردّي الأحوال المعيشية، ووسط ما تشهده حقًّا من اندلاع الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية المعترضة على السياسات الحكومية، والأصوات المنادية برفع العقوبات المفروضة على روسيا. وباختصار شديد، الصورة ليست وردية في أوروبا إحدى أهم قلاع الاقتصاد العالمي اليوم.
المشهد الآخر في الخليج وإفريقيا
لو اتجهنا جنوبًا، سنجد أن منطقتي الخليج العربي وإفريقيا تشهدان نهضة شاملة، وإن كانت متفاوتة، مع اعتماد دولهما سياسات تنموية متماسكة ومستدامة باتجاهات استراتيجية وتطلعات مستقبلية، وبصفتها لاعبة رئيسية في الاقتصادي العالمي.
ونبدأ بالدول الخليجية التي تمر بمسيرة نهضوية شاملة، وتتميز بنمو قطاعاتها الاقتصادية والتعليمية والعقارية والزراعية والصناعية. وهذا التقدم، الذي يُستكمل بنقل التكنولوجيا في مختلف المجالات الاقتصادية والخدمية، سيُسهم في نقل الدول الخليجية من دول نامية غنية بالموارد إلى اقتصادات متنوعة، ومن ثم تقليل اعتمادها على استثمارات الطاقة وحدها.
كما تشهد دول الخليج تصاعدًا غير معهود في مستوى الأمطار الشتوية في السنوات الأخيرة، فضلًا عن تكوّن الأودية الخضراء المورقة، والبحيرات والأنهار من المياه الجوفية العذبة في رمال الربع الخالي والصحاري والمناطق الجافة. وتوضح هذه الظواهر المناخية التحولات البيئية اللافتة التي تشهدها شبه الجزيرة العربية، وسط توقعات باستمرار الحالة المطرية ومعدل الاخضرار والحياة البرية. وقد يعني هذا التحول المناخي هجرة سكانية عكسية للاستقرار في الدول الخليجية التي ستنعم برقعة خضراء أوسع، وأغطية نباتية في المناطق الصحراوية، ومزيد من حقول المياه الجوفية، ونسب أقلّ من التلوث الهوائي، وسيكون ذلك منعطفًا مهمًّا في المشهد الاقتصادي العالمي.
وعلى نحو مماثل للدول الخليجية، فإن الاحتياطيات الوفيرة من المعادن والنفط والموارد الطبيعية الضخمة في قارة إفريقيا قد تؤدي إلى تحويل القارة السمراء قوةً سوقيةً كبيرةً ورائدة؛ فبينما تكافح أوروبا نقصَ مصادر الطاقة، فإن الموارد الطبيعية الوفيرة والتغيرات المناخية تمنح إفريقيا وشبهَ الجزيرة العربية الأفضليةَ الزراعيةَ، وتجعلهما بدائلَ للاعتماد الاقتصادي العالمي.
ووفقًا لتقرير صادر عن بنك التنمية الإفريقي لعام 2022، حافظت 53 دولة إفريقية من أصل 54 على نمو إيجابي بالرغم من تداعيات وباء كوفيد-19؛ ما يُظهر مرونة اقتصادات القارة. وتملك إفريقيا، التي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليار نسمة (40% منهم من الشباب) ما نسبته 12% من احتياطيات النفط العالمية، واحتياطيات ضخمة من المعادن النفيسة، مثل الذهب والبلاتين والكوبالت. ويُذكر أن 12% من النفط المنتج عالميًّا يأتي من إفريقيا، ويتركّز إنتاجه في نيجيريا وليبيا وأنجولا ومصر والجزائر؛ وتنتج هذه الدول 12 مليون برميل يوميًّا، ويُصدّر إلى أوروبا وأمريكا.
وتعد دولة جنوب إفريقيا أكبر دولة منتجة لمعدن الذهب في إفريقيا، يعقبها بنين والمغرب وجامبيا. وتنتج دول القارة ما يقرب من ثلثي معدن الكوبالت النفيس بالعالم، الذي يتركز بجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما تعدّ القارة أكبر منتجي الأخشاب عالميًّا، وتأتي من الكاميرون، والجابون، وتوجو وليبيريا، وساحل العاج، وغانا، ونيجيريا، والكونغو؛ وتُصدّر إلى الصين وإنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، كما تملك القارة كثيرًا من المعادن النفيسة التي تجعلها من أغنى قارات العالم.
ويجعل الموقعُ الاستراتيجي القارةَ فريدةً من نوعها؛ إذ يحدُّها شمالًا البحر الأبيض المتوسط، وجنوبًا المحيط الأطلنطي، وغربًا المحيط الهادي، وشرقًا البحر الأحمر؛ وتملك مساحة أراضٍ زراعية صالحة للزراعة تقرب من 600 مليون هكتار قادرة على إطعام العالم؛ ما يؤهلها لتكون مستقبل اقتصاد العالم في وقت قريب.
وإجمالًا، مع إدراك الدول الخليجية والإفريقية أهميتها الجيواستراتيجية وثقلها الاقتصادي، فمن المتوقع أن يزداد تأثيرها على المستوى الدولي، وتأخذ موقعًا في النظام العالمي بصفتها قُوًى تنافسيةً جديدة.
اعتبارات السياسة والتوجهات المستقبلية
بالنظر إلى التحولات الاقتصادية والتغيرات المناخية، ينبغي لراسمي السياسات إدراك أهمية الاستراتيجيات التي يمكن أن تستجيب للسيناريوهات المستقبلية المحتملة، وتوقّع التحديات في مشهد التحول الاقتصادي، والاستعداد لمواجهتها؛ وتحتّم هذه التحوّلات على راسمي السياسات في المنطقة العربية دراسة التأثير المحتمل في اقتصاداتها، والعمل استباقيًّا للوصول إلى البدائل والحلول الممكنة في مجالات مختلفة.
ومن بين هذه المجالات: أولًا، تعزيز هياكل الاقتصاد البيئية الوطنية والسياسية والتنظيمية، بنحوٍ متوازن ومتناغم؛ فالشركات والاستثمارات الأجنبية تبحث عن بيئات آمنة تعطي فيها الحكومات الأولوية للاستقرار السياسي، وهياكل الحوكمة المعززة للشفافية وبناء الثقة، والفارضة لسيادة القانون ومنع الفساد؛ إضافة إلى الأيدي العاملة الماهرة، وبيئة الحياة المتقبِّلة للآخر بنحوٍ مسالم؛ فضلًا عن البنية التحتية، مثل الطرق، والطاقة، والمياه، والإنترنت.
وثانياً، الإصلاحات الاقتصادية التي تتطلب التركيز على إيجاد بيئات ملائمة للأعمال التجارية تشجع الابتكار وريادة الأعمال. والتركيز هنا يجب أن يشمل تطوير أطر تنظيمية تتميز بالوضوح والفاعلية، وتحد من البيروقراطية، وتقدم الحوافز إلى الشركات، وتساعد الاستثمار في القطاعات الرئيسية مقل التكنولوجيا والتصنيع والخدمات، وتٌسهم في تنويع الاقتصادات، وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية.
والمجال الثالث مرتبط بتطوير البنى التحتية الحيوية للنمو الاقتصادي، مثل شبكات النقل والمرافق والاتصالات السلكية واللاسلكية، وتلك المرتبطة بكيفية توجيه الأمطار والسيول وتخزينها واستغلالها لتكون نصيباً مضافاً من المياه. ولا بد أن ترتبط المسارات هنا بالاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية؛ لتنمية رأس المال البشري بنحو يعزز الإنتاجية، ويسهل التجارة، ويحسن مستويات المعيشة.
أما المجال الرابع، فهو الإدماج والعدالة الاجتماعية؛ لضمان مواءمة السياسات للنمو الاقتصادي الشامل والمفيد لجميع شرائح المجتمع. ويجب أن تهدف الجهود هنا إلى تقليص الفوارق في الدخل، وتوفير شبكات الأمان الاجتماعي، بصفتها مفاتيح لضمان النمو المستدام.
والمجال الخامس هو الاستدامة البيئية؛ فبالنظر إلى التأثيرات الكبيرة لتغير المناخ يجب على صانعي السياسات تأكيد تنمية اقتصاداتهم بنحوٍ مستدام؛ بتكثيف الاستثمارات في موارد الطاقة المتجددة، وتعزيز التقنيات الخضراء، وتبنّي السياسات الكفيلة بحماية البيئة والتنوع البيولوجي.
وبينما يعج المشهد العام بالتحديات المعقدة التي يجب مواجهتها، ستبقى الفرص تدق أبواب الدول الخليجية والإفريقية لتسخير أفضل لثرواتها من الموارد الطبيعية، والمواقع الجغرافية الاستراتيجية، والتركيبة السكانية للشباب، والتي تتطلب بأبسط القول سياسات مبتكرة تدعم مستقبل مزدهر وقادر على الصمود.
القاهرة
المصدر: جريدة الوفد
د. علي محمد الخوري
تواجه المنطقة العربية والشرق الأوسط مجموعة معقدة من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وتتفاقم هذه التحديات بسبب النزاعات والتوترات الإقليمية والعالمية التي تهدد بإحداث المزيد من عدم الاستقرار العالمي. وبينما يمر العالم بمخاض أزمة ثقة عالمية، فإن المطلب الرئيسي هو إيجاد فهم دقيق ومفصل لهذه القضايا قبل الدخول في معترك البحث عن الحلول الشاملة.
انعكاسات الصراعات العالمية
تساهم الصراعات العالمية الدائرة اليوم، مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، والصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، فضلاً عن التوترات الإقليمية في آسيا – حول جزيرة تايوان، والصراعات بين باكستان والهند، والكوريتين، وإيران والمنطقة العربية – في تأجيج أزمة الاستقرار العالمي. فهذه الصراعات ليست بأحداث مُنعزلة بالنظر إلى تأثيراتها العالمية.
وعلى الرغم مما تتمتع به المنطقة العربية من وفرة الموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي والمعادن، إلا أن الواقع يثبت بأنها ليست مُحصنة أمام هذه التحديات، مع استمرار مسلسل الاضطرابات السياسية والصراعات منذ الربيع العربي في عام 2011 في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن والسودان.
التحديات والفرص للمنطقة العربية
على الرغم من السيناريوهات القاتمة التي تصورها التقارير الدولية، إلا أن الدول العربية بإمكانها تجاوز العديد من التحديات بإعادة ضبط بوصلة التركيز الاستراتيجي. فمن الممكن إعادة تشكيل المسار الاقتصادي من خلال مجموعة من العوامل الحاسمة التي سنستعرضها في خطوط عريضة.
الأداء الاقتصادي: يعمل الأداء الاقتصادي كمؤشر أساسي للتقدم أو التراجع. وتبرز دول مثل الإمارات العربية المتحدة كدولة رائدة في العديد من المجالات، وأصبحت منافسة للعديد من الدول المتطورة، سواء في التنويع الاقتصادي أو صناعات المستقبل. كما وقطعت المملكة العربية السعودية وقطر أشواط كبيرة في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على البترول والغاز. حلقة الوصل بين هذه الدول تكمن في رؤاها المرتكزة على دعم تطوير ونضج مؤسساتها المالية والاقتصادية، والإصلاحات المؤسسية والتوظيف الأمثل للتكنولوجيا والاستثمار المستمر في رأس المال البشري.
النظام العالمي: تقدم ظاهرة العولمة فرصاً ومخاطر على حد سواء. فالتنمية العالمية السريعة والابتكارات من البلدان المتقدمة تأتي بآفاق جديدة للنمو. ويمكن أن يؤثر توفير رأس المال الدولي، والانفتاح الاقتصادي بشكل كبير على تطور الاقتصادات الوطنية والإقليمية. إلا أنه ومع ذلك، فإن العديد من الدول النامية تواجه العديد من التحديات لجذب رأس المال العالمي بسبب الضوابط التشريعية والمصرفية غير الكافية، والسياسات والخطط الوطنية الغير متكاملة، وافتقار المهارات الرقمية وضعف البيئات الوطنية والقطاعية لاستيعاب التكنولوجيا الحديثة.
الجدير بالإشارة إلى أن صافي تدفقات الأموال في الدول النامية ارتفع من المستوى المتوسط الذي كان يقدر بــــــــ 10 مليار دولار سنوياً، خلال سبعينات القرن الماضي إلى أكثر من 100 مليار دولار سنوياً في النصف الأول من التسعينات، ثم ارتفع إلى 166 مليار دولار في عام 2021. وارتفعت صادرات الدول النامية 10% عام 2021 بعدما كانت لا تتعدى 5% قبل ذلك. ووفرت هذه التدفقات – خاصة في الدول التي شرعت بالتغييرات الهيكلية والإصلاحية – العديد من الفرص الاستثمارية والتطور التكنولوجي وزيادة الإنتاج، وتوفير فرص عمل وسرعة نمو الاقتصاد، وتوسيع التجارة الدولية.
التخطيط والإصلاح الاقتصادي: هناك حاجة ماسة للتخطيط الاقتصادي الفعال على المدى القصير والطويل في المنطقة العربية وبهدف احتواء الأزمات العالمية والزيادة السكانية. ولا زال القطاع الخاص بعيداً عن لعب دوره الرئيسي في دفع الإصلاحات الاقتصادية، مع استمرار تركيز الحكومات للاعتماد على القطاع العام والذي تسبب في ضعف الاقتصاديات وترهلها بشكل كبير. ومن الممكن أن تساهم الإصلاحات المؤسسية، وتحسين كفاءة وفعالية الأداء المؤسساتي، وتحفيز الاستثمار في المرونة الاقتصادية، وتوفير مشروعات مختلفة تستوعب العمالة المتوقفة عن العمل، في إحداث نمو وتحسن اقتصادي ملموس.
استغلال الموارد الطبيعية: المنطقة العربية غنية بالموارد الطبيعية، والتي إذا تم استغلالها بشكل مسؤول، يمكن أن تدعم مستهدفات النمو الاقتصادي. وهذا يتطلب تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية الداعمة للاستثمار، والتحول المفاهيمي في اقتصاد الانتاج الغير معتمد على صادرات المواد الخام أو اقتصاد الاستهلاك المُجرّد.
التمويل والمؤسسات المالية: المؤسسات المالية السليمة ضرورية لتعزيز النمو الاقتصادي. ووضع الأطر التشريعية في هذا المجال من شأنه أن يسهل ويبسط العلاقة بين المدخرين والمستثمرين والمسؤولين عن تمويل القطاع الخاص ويمكن أن يؤدي إلى تنمية اقتصادية كبيرة. ويجب أن تكون الأنظمة المصرفية متسق مع السياسات الحكومية بدون أي تعارض مع التعديلات التشريعية، ولتسهيل إحداث نهضة اقتصادية ونمو اقتصادي فعّال، مبني على خطط ودراسات تحليلية شاملة للاقتصاد وظروف السوق وطبيعته.
اقتراحات السياسة العامة
تتطلب معالجة التحديات الاقتصادية الراهنة اتباع نهج استشرافي شامل. ويحتاج صانعو السياسات إلى التركيز على تعزيز الأداء الاقتصادي، والتكامل الإقليمي والدولي في النظام العالمي، من خلال التخطيط الاستراتيجي وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المترابطة والمُحكمة، واستغلال الموارد الطبيعية بشكل مسؤول، وتقوية المؤسسات المالية. يمكن أن يؤدي التركيز على تحقيق هذه الأهداف إلى تحسين الاستقرار الاقتصادي وخلق فرص العمل والأمن الاجتماعي، مما يوفر شعوراً بالثقة لدى صناع القرار في المنطقة.
ومما لا شك فيه، فإن المنطقة العربية سوف تستمر في المواجهة المباشرة مع التحديات الاقتصادية الكبيرة والمعقدة. وستبقى فعالية الحلول معتمدة على السياسات المدروسة، ومدى قدرتها على تخطي العقبات وتنمية اقتصاد أكثر تنوعاً وقدرة على الصمود. ولا بد لصانعي السياسات الالتزام باستراتيجيات تطلعية للاستفادة من الإمكانات الكبيرة للمنطقة، وضمان مستقبل مستقر ومزدهر لشعوبها.
أبوظبي
المصدر: مفكرو الإمارات
د.علي محمد الخوري
يعِد الانتشار الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي بدفع الاقتصادات العالمية إلى آفاق جديدة غير مسبوقة؛ وما تؤكده الدراسات هو أن قطاعات، مثل الرعاية الصحية، والتمويل، والتعليم، والطاقة المتجددة، والبحث العلمي، ستكون من بين أكبر القطاعات المستفيدة، وستشهد مستويات جديدة من الابتكار والكفاءة والإنتاجية، إلى جانب تحولات تغييرية كبيرة ستقودها محركات الثورة الصناعية الرابعة، وعلى رأسها آلات الذكاء الاصطناعي. وبحسب تقرير صادر عن شركة “برايس ووترهاوس كوبرز”؛ فإن الإسهام المحتمَل للذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي قد يصل إلى 16 تريليون دولار بحلول عام 2030؛ وذلك يبيّن الاهتمام المتنامي للدول الخليجية، واستثماراتها التكنولوجية الملياريَّة بصفتها وسيلة رئيسية للاستفادة من قدرات هذا القطاع، وتحفيز انتقال اقتصاداتها إلى عصر ما بعد النفط.
الإمارات وإعادة تشكيل مسارات التنمية
تتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة ثورة الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية، برؤية استراتيجية واضحة، واستثمارات قوية؛ وتتميز بكونها حاضنة عالمية للابتكار؛ ويَبرز ذلك في جهودها على صعيد تطوير التشريعات والنظم التوجيهية الساعية إلى توفير الفرص للشركات الناشئة من أجل إيجاد حلول مبتكرة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. ومن بين خطوات الدولة الاستباقية استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي التي أطلقتها في عام 2017؛ بهدف الارتقاء بالأداء الحكومي، وتسريع الإنجاز، وإنشاء بيئات عمل مبتكرة قائمة على الذكاء الاصطناعي، إلى جانب إيجاد القيمة الاقتصادية المضافة في قطاعات مختلفة.
ويتجسَّد طموح دولة الإمارات واهتمامها بتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة في استثمارات الأنظمة الروبوتية، مثل الاستثمار في تقديم خدمات المركبات والطائرات الآلية ومستهدفاتها لتحويل 25 في المئة من وسائل النقل إلى القيادة الذاتية بحلول عام 2030؛ كما تعمل دولة الإمارات على توظيف الذكاء الاصطناعي في التخطيط الحضري وتنمية المدن؛ وقد ظهر ذلك في مدينة إكسبو بدبي، التي يبلغ حجمها ضعف حجم إمارة موناكو، بصفتها منارةً عالمية للذكاء الاصطناعي، مدعومة ببنية تحتية رقمية متقدمة معتمدة على شبكة الجيل الخامس.
الرؤية التقدمية للمملكة العربية السعودية
تملك المملكة العربية السعودية طموحات مماثلة؛ إذ جعلت الذكاء الاصطناعي في صميم رؤيتها للمستقبل. وتخطط المملكة لاستثمارات كبيرة تصل إلى نصف تريليون دولار في مشروعها “نيوم”، وهو مدينة حديثة تقع على البحر الأحمر. ومع توقُّع أن يصل عدد ساكني هذه المدينة إلى ما يقارب مليون نسمة، تطمح السعودية إلى تجسيد نمط حياة مستقبلي، وتسهيل الخدمات بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، و”الميكنة” الذاتية، وتقليل التدخل البشري إلى الحد الأدنى؛ وتنوي تمكين سيارات الأجرة الطائرة في خطة تقتضي اعتماد نظام نقل جوي صديق للبيئة، وتضيف مثالًا واقعيًّا على رؤية المملكة الجريئة لدمج الذكاء الاصطناعي بالمجتمع البشري.
التحديات والفرص في تكامل الذكاء الاصطناعي
لا شكَّ في أن التبني الحماسي للذكاء الاصطناعي ستنجم عنه تحديات كبيرة أبرزها الاستغناء عن الوظائف، وكذا المخاوف المرتبطة بخصوصية البيانات، والاعتبارات الأخلاقية، والحاجة إلى إطار تنظيمي سليم يضمن تحقيق الرؤى والمستهدفات. وتحتاج دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في هذا الشأن إلى الموازنة بين مساعيها التنموية القائمة على القدرات التكنولوجية واستراتيجيات التعامل مع هذه القضايا؛ وذلك يستوجب إعداد سياسات ديناميكية شاملة لضمان الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي مع تقليل المخاطر والعيوب المحتمَلة.
اتجاهات دول مجلس التعاون والاتجاهات العالمية
نسبيًّا تتوافق تطلعات دول الخليج العربية في مجال الذكاء الاصطناعي مع تطلعات القادة العالميين في مجالات التكنولوجيا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وأوروبا؛ ولكنْ للمنافسة على المستوى العالمي ستحتاج هذه الدول إلى إنشاء نظام بيئي قوي ومرن للذكاء الاصطناعي، يشمل التعليم والبحث والابتكار وريادة الأعمال، وما يرتبط بذلك من بنية تشريعية ملائمة. ولن تقتصر متطلبات ذلك على الاستثمارات المالية الكبيرة فقط، بل تشمل أيضًا التعاون مع المؤسسات التعليمية، مثل الجامعات، وشركات التكنولوجيا، والشركاء الدوليين.
تعزيز تعليم الذكاء الاصطناعي وبحوثه
يُمثل التعليم والبحث في مجال الذكاء الاصطناعي ركيزتين أساسيتين في مشهد الذكاء الاصطناعي؛ فمن الأهمية بمكان أن تستثمر الدول الخليجية في دمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته بالمناهج التعليمية التي تنمي المهارات في مراحل سنّيّة باكرة؛ إلى جانب إنشاء مراكز بحث، وتعزيز التعاون بين قطاع الصناعة والأوساط الأكاديمية. ويُعد الدمج بين الصناعة والبحث العلمي والذكاء الاصطناعي من أهم الحوافز التطويرية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو جسر قد يمكّن المنطقة من استيعاب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والإسهام في تطورها بما يخدم المستهدفات الوطنية.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في دول مجلس التعاون
على الرغم من التحديات الكبيرة للذكاء الاصطناعي؛ فإن الفوائد المحتمَلة لهذا القطاع في الدول الخليجية كبيرة جدًّا؛ والمقصود هنا هو تحقيق مستويات جديدة من الأداء، والتقدم في تطوير الآلات الإنتاجية والصناعات اللوجستية والخدمية والعسكرية والدفاعية، فضلًا عن بيئات عمل مساعدة تُمكّن صنَّاع القرار من قراءة المستقبل، ورصْد البيانات الدالة على تقدُّم الخطط الموضوعة والخيارات الاستراتيجية المتاحة، أو تأخرها.
ووفقًا لتقارير دولية؛ فإن نسبة إسهام الذكاء الاصطناعي المحتمَل في منطقة الشرق الأوسط تصل إلى 320 مليار دولار -أو نحو 11 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي- بحلول عام 2030؛ ويمثل ذلك مجرد قمة لجبل جليدي ضخم؛ ذلك أن التوقعات المنطقية تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يسهم بما يجاوِز ذلك كثيرًا. وقد يرتفع هذا الرقم مع مواصلة الدول الاستثمار في الابتكار، وتعزيزه في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية كبيرة، وإحداث تغييرات ثورية في مختلف القطاعات، وتحويل أنماط الحياة.
ولكنْ يتعيَّن على الدول الخليجية الانتباه إلى أن رحلتها ستتطلَّب أكثر من مجرد استراتيجيات؛ فبدايةً يجب أن تتضمَّن الاستراتيجيات سياسات التعامل مع الآثار المعاكسة للذكاء الاصطناعي، سواء الاجتماعية أو الأخلاقية أو الإنسانية؛ وستحتاج هذه الدول أيضًا إلى ربط خططها مع منظومة إيكولوجية متكاملة لتوجيه الاستثمارات الكبيرة نحو هذه البيئة، إضافةً إلى التعليم وتنمية المهارات، والتعاون الدولي، والهياكل التنظيمية الفعَّالة، والوعي المجتمعي، وثقافة الابتكار وريادة الأعمال، ونُظم إدارة البيانات، والرؤية الطويلة المدى المرتكزة على محورَي المرونة والاستدامة.
عن الاتحاد | |
---|---|
المبادرات | |
المعرفة | |
الخدمات | |
المركز الإعلامي | |
اتصل بنا |