هانغتشو – الصين
شارك الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي في جلسة بعنوان “التمكين الرقمي من أجل التنمية الخضراء”، وذلك ضمن فعاليات المعرض العالمي الرابع للتجارة الرقمية (GDTE 2025) المنعقد في مدينة هانغتشو الصينية.
وألقى سعادة الدكتور علي محمد الخوري، مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية ورئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، كلمة أكد فيها أن التكنولوجيا والبيئة لم تعودا مسارين منفصلين، بل إن اندماجهما أصبح يشكل حجر الأساس للاقتصاد العالمي المقبل، مشيراً إلى أهمية تعزيز الابتكار الرقمي لدعم مسارات التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر.
وأكد الخوري أن الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي أُسس كمنظمة عربية دولية ليكون منصة استراتيجية لدفع التحول الرقمي في المنطقة العربية، مشيراً إلى أن الرقمنة تحولت من مجرد أداة تقنية للتعاملات اليومية، إلى الأساس لبناء مستقبل مستدام وتنافسي مزدهر.
وأضاف أن التقنيات الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء، قادرة على إحداث تحولات كبرى في كفاءة استخدام الموارد وخفض الانبعاثات وتعزيز النمو الأخضر، موضحاً أن هذه التقنيات يمكن أن ترفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتحقق وفورات بمليارات الدولارات، لكنها في الوقت نفسه تحمل مخاطر متزايدة، إذ تستهلك مراكز البيانات طاقة تفوق استهلاك بعض الاقتصادات الكبرى، مع توقعات أن يتضاعف الطلب بحلول عام 2030. وشدد على أن التحول الرقمي لا يمكن اعتباره تقدماً إذا قاد إلى استهلاك غير مستدام، وهو ما يتطلب أن ترافقه حوكمة رشيدة وابتكار مسؤول يوازن بين الازدهار والاستدامة.
وفي هذا الإطار، استعرض الخوري دور التكنولوجيا في مجالات الزراعة الذكية وإدارة الموارد، حيث تسهم النظم المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تقليل استخدام المياه وزيادة الإنتاجية، مشيراً إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع حماية الغابات وحده يُتوقع أن يقفز من 2.5 مليار دولار حالياً إلى أكثر من 24 مليار دولار بحلول 2033. وأكد أن هذه الابتكارات تمثل شريان حياة للاقتصاديات التي تواجه تحديات مثل ندرة المياه والأمن الغذائي، خاصة في المنطقة العربية.
كما أشار إلى نماذج عربية رائدة في الجمع بين التكنولوجيا والاستدامة، مثل مدينة مصدر في الإمارات التي تقود مسيرة الحياد الصفري بخفض استهلاك الطاقة والمياه وتشغيل معظم مرافقها بالطاقة المتجددة، ومشروع نيوم في السعودية الذي يعتمد على الطاقة المتجددة وتوقعات بإسهامه بما يصل إلى 100 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي السعودي بحلول 2030. كذلك سلط الضوء على مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، أحد أكبر مشاريع الطاقة المتجددة في العالم، الذي يوفر طاقة نظيفة بتكلفة منخفضة ويضع معايير جديدة للاستثمار في الطاقة الخضراء.
وأوضح الخوري أن مواجهة تحديات المناخ والتحولات الرقمية تتطلب تعاوناً دولياً واسعاً، مؤكداً أن الجمع بين خبرة الصين في البنية التحتية الخضراء وحوكمة الذكاء الاصطناعي، وبين الإمكانات السوقية والجغرافية للعالم العربي، يمثل شراكة ذات أثر عالمي.
واقترح ثلاث فرص استراتيجية للتعاون العربي–الصيني تتمثل في تطوير مراكز بيانات خضراء قائمة على الكفاءة الطاقية والحياد الكربوني، وتوظيف الأدوات الرقمية لإدارة الموارد والطاقة والزراعة المستدامة، وإنشاء مناطق اقتصادية وتجارية ذكية تُدمج فيها معايير الحوكمة البيئية بما يتوافق مع الالتزامات الدولية.
وفي ختام كلمته، شدد الخوري على أن التحول الرقمي قد يكون سلاحاً ذا حدين؛ فإما أن يفاقم أنماط الاستهلاك غير المستدام، أو أن يتحول إلى أداة تُمكّن المجتمعات من إدارة مواردها بكفاءة أكبر. وأوضح أن الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، بصفته منظمة عربية تعمل تحت مظلة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية وبعضويته في المجالس وفرق العمل العربية في جامعة الدول العربية، ملتزم في إطار رسالته المؤسسية بتطوير مبادرات رقمية مستدامة، وتوسيع مجالات العمل مع المؤسسات العربية والشركاء الدوليين لصياغة مستقبل رقمي متقدم يفتح آفاقاً جديدة للنمو والتعاون العالمي.