3 ديسمبر كانون الأول 2024
علي الزهيري منسق المشروع
في عالمٍ يتزايد فيه اعتماد التمويل الرقمي، اتخذ العراق خطوةً تحويليةً بإصدار لائحة المدفوعات الرقمية رقم 2 لعام 2024. لا تُمثّل هذه السياسةُ البارزةُ تقدما تنظيميا فحسب، بل تُشيرُ إلى إعادةِ مواءمةِ البنيةِ التحتيةِ الماليةِ العراقيةِ مع المعاييرِ العالمية. تهدفُ هذه الخطوةُ إلى تقليلِ اعتمادِ البلادِ المُفرطِ على النقد، وتُعززُ الشمولَ الماليَّ والشفافيةَ الاقتصادية، مُبشِّرةً بمستقبلٍ من المرونةِ والابتكارِ في القطاعِ الماليِّ العراقي.
ما وراء الامتثال: التحول نحو شمول مالي أفضل
لقد حدد البنك المركزي العراقي توجها واضحا: المدفوعات الرقمية أصبحت الآن جزءا أساسيا من مستقبل العراق الاقتصادي. وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في العراق، ودعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في العراق، حيث تُعدّ هذه اللائحة حافزا لضمان توافر المعاملات الرقمية، ليس فقط في مراكز الأعمال الحضرية، بل أيضا في مختلف القطاعات، ما يُسهم في ربط البيئات المالية العامة والخاصة. وسيُتيح انتقال العراق إلى المدفوعات الرقمية مجموعة من الفوائد الاقتصادية، بما في ذلك تبسيط العمليات، تحسين وضوح البيانات، وتحسين الأمن المالي.
“بلغت حصيلة المدفوعات الرقمية (7.6 تريليون دينار عراقي)، بعد أن كانت (2.6 تريليون دينار عراقي) في كانون الثاني 2023″ – حسب ما أعلنه محمد شياع السوداني، رئيس وزراء العراق في وقت سابق
في الوقت الحالي، يُشكّل الاقتصاد العراقي المعتمد على النقد تحدياتٍ كبيرةً فيما يتعلق بالتداول المالي والشفافية. يُغيّر نظام الدفع الرقمي الجديد هذا الوضع الراهن، مُحفّزا الشركات على اعتماد أدواتٍ مثل أنظمة نقاط البيع، والمحافظ الإلكترونية، والبوابات الإلكترونية. ومع تبني العراق لهذا التطور، يُواصل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق دعم الحكومة في وضع إطارٍ قانونيٍّ يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة وأفضل الممارسات الدولية.
علي العلاق محافظ البنك المركزي العراقي
يمتلك العراق الآن بنية تحتية متطورة قادرة على استيعاب أدوات الدفع الإلكتروني والخدمات المالية. وسينتقل قريبا إلى البنوك الرقمية، حيث ستُدير الهواتف الذكية مختلف العمليات المصرفية. سيُسهّل هذا التحول الوصول المالي للمواطنين إلى الخدمات، ويُقلّل فرص الفساد والاحتيال، ويوفر بيانات حيوية على المستوى الوطني تتعلق بطبيعة المعاملات ومحتواها والرقابة عليها والامتثال لها من خلال هذا النظام الشامل.
الدور الاستراتيجي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في وضع الأساس
تتجاوز مساهمة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدعم الفني لتشمل شراكة استراتيجية تهدف إلى تعزيز النظام المالي الرقمي في العراق. ومن خلال التعاون الوثيق مع البنك المركزي العراقي، وفّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخبرة الفنية اللازمة لصياغة سياسات تُمكّن من التحول إلى اقتصاد رقمي مع ضمان الشمولية والاستدامة. تُسلّط هذه الشراكة الضوء على كيف يُمكن للاستراتيجيات التعاونية والتطلعية أن تُسهم في إحداث تغيير هيكلي مستدام في الأسواق الناشئة.
هذه اللائحة أكثر من مجرد قفزة تقنية إلى الأمام؛ إنها نقلة نوعية نحو المرونة الاقتصادية والشمول والشفافية في العراق. ومن خلال تحديث النظام المالي، يفتح المشروع آفاقا جديدة أمام كل عراقي للمشاركة الكاملة في الاقتصاد والمساهمة في مستقبل مستقر ومبتكر.
تفخر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بدعم مسيرة العراق نحو التمويل الرقمي، في إطار التزامنا بتعزيز التنمية المستدامة والفرص الاقتصادية. تعكس هذه اللائحة عزم العراق على بناء اقتصاد شامل ومرن ومتوافق مع احتياجات شعبه. ويشرفنا أن نكون جزءا من هذا الفصل التحوّلي في التاريخ المالي للعراق،” صرحت إيرين مون-ماركيز، القائمة بأعمال مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في العراق.
لمحة إلى المستقبل: الآثار المترتبة على اقتصاد العراق
إن تأثير هذا التنظيم يتجاوز مجرد الامتثال:
تعزيز الحوكمة المالية : إن تقليل الاعتماد على النقد يقلل من مخاطر غسل الأموال والفساد، ما يخلق مسارا شفافا للمعاملات ويعزز المساءلة عبر القطاعين العام والخاص.
زيادة المرونة الاقتصادية وإمكانات الاستثمار: من خلال تحديث نظامها المالي، تصبح العراق سوقًا أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب وتفتح الأبواب للتعاون مع شركات التكنولوجيا المالية العالمية.
دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ومراكز الابتكار: تعمل الأنظمة غير النقدية على تقليص الحواجز التشغيلية أمام الشركات الناشئة والشركات الصغيرة، ما يعمل على تمكين ريادة الأعمال وتمكين المواهب العراقية من الازدهار.
أكثر من مجرد تحول في السياسة: تحول ثقافي
يُمثل التحول نحو المدفوعات الرقمية تحولاً ثقافياً عميقاً في العراق، حيث لطالما كانت المعاملات النقدية هي السائدة. وقد أكدت تحولات مماثلة في دول مثل الهند أن هذا التغيير ليس تقنياً فحسب، بل يتطلب تحولاً في السلوك العام والثقة. وستعتمد رحلة العراق نحو التبني الرقمي على رؤية واضحة من قادته وجهود متضافرة من الجهات التنظيمية والشركات والمستهلكين على حد سواء.
تُعدّ هذه اللائحة إنجازا محوريا في مسيرة العراق نحو بناء اقتصاد شامل ماليا، وشفاف، ومرن. وبفضل قيادة البنك المركزي، والاستشارات الفنية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ودعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فإن العراق مهيأ لبناء اقتصاد رقمي متين. ويتطلب المضي قدمًا التزامًا جماعيًا من جميع الجهات المعنية لدفع عجلة التبني والتغلب على التحديات.
إذا استغل العراق هذه الفرصة بالكامل، فقد يصبح نموذجا يُحتذى به في كيفية مساهمة السياسات المدروسة والتعاون في تسريع وتيرة دخول البلاد إلى العصر الرقمي، وإطلاق العنان لإمكانات هائلة لسنوات قادمة.