مخاطر عالمية فى 2023

...
التاريخ: 25 - 01 - 2023

المصدر: جريدة الأهرام المصرية

أ.د. علي محمد الخوري

المؤشرات العالمية تتوقع أن عام 2023 ينتظره كثير من المخاطر العالمية‪ ،‬التى بدأت أولى حلقاتها فى عام 2020 مع تفشى جائحة كورونا، وامتدادها بالحرب الروسية-الأوكرانية. كما أن الاختلافات والآثار البيئية الكونية باتت تهدد بمعدلات غير مسبوقة من التلوث والمخاطر الأيكولوجية كالأعاصير والكوارث والسيول وموجات الجفاف، التى تعرض لها بالفعل كثير من الدول حول العالم، وتسببت فى تدهور المحاصيل الزراعية فى ملايين الهكتارات من الأراضى المزروعة وأدت بالتبعية إلى تفاقم أزمة توافر المواد الغذائية، وتهديد الأمن الغذائى العالمى ككل، وتنذر بتوسيع رقعة المجاعات خلال العقد المقبل.

العالم مقبل على أزمات بيئية ومجتمعية خطيرة وكبيرة: أوضح التقرير الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمى تحت مسمى تقرير المخاطر العالمية أن العقد المقبل سيشهد أزمات بيئية ومجتمعية، مدفوعة بالاتجاهات الجيوسياسية والاقتصادية الكامنة، والتى قد تتسبب فى أزمات معيشية خطيرة جداً بالعالم. ويصنف التقرير أزمة تكلفة المعيشة على أنها ستكون من أقسى المخاطر العالمية خلال العامين المقبلين، والتى سوف تبلغ ذروتها على المدى القصير.

وأكد التقرير أن الاستمرار بالسياسات البيئية الراهنة وعدم التغيير، سيتسبب بتغيرات كبيرة بالمناخ والتنوع البيولوجى والأمن الغذائى واستهلاك الموارد الطبيعية، وسوف يكون الناتج تسريع انهيار النظام البيئى برمته، وبالتالى تهديد الحياة بجميع أشكالها على كوكب الأرض.

وأشار التقرير إلى أن الآثار الاقتصادية التى نتجت عن جائحة كورونا والحرب الدائرة فى أوكرانيا، أدت إلى ارتفاعات حادة فى مستويات التضخم العالمية، وتطبيع سريع للسياسات النقدية فى الدول المتقدمة والناشئة، وهى رهانات قد لا تعنى بالضرورة وقف السقوط الحر للأسواق.

وبحسب التوقعات، ومع استمرار معركة ارتفاع الأسعار، فإن الاقتصاد العالمى على موعد مع انخفاضات حادة فى النمو، وتراجع معدلات الاستثمار العالمية. كل ذلك سيلقى بدوره بمزيد من الضغوط التضخمية على الحكومات والبنوك المركزية على مدى العامين المقبلين على أقل تقدير، وسط احتمالات استمرار الحرب الراهنة بين روسيا وأوكرانيا، وتتابع خناق الجائحة على الاقتصاد العالمى، نتيجة استمرار الوباء وتوسعه بالصين، وبقاء الحروب الاقتصادية بين القوى الدولية، والتى باتت تحفز الاضطرابات فى سلاسل التوريد العالمية، والمؤدية بالتتابع إلى الارتفاعات الشديدة فى أسعار المواد والسلع.

ويذكر التقرير أن التفتت الاقتصادى العالمى، والتوترات الجيوسياسية، ومحاولات إعادة هيكلة المشاريع المتعثرة، سوف تؤدى إلى تضاعف آثار ضائقة الديون العالمية على مستوى العالم خلال السنوات العشر المقبلة. فبحسب تقرير لمعهد التمويل الدولى، فإن إجمالى الديون العالمية قد تجاوزت حاجز الـ 300 تريليون دولار فى عام 2022، وهو ما يؤجج من مخاطر تراجع قدرة العديد من الحكومات على سداد الديون.

تآكل المكاسب الاقتصادية العالمية نتيجة الضغوط الاقتصادية: ويوضح تقرير منتدى الاقتصاد العالمى الذى يشمل آراء أكثر من 1200 من الخبراء وصناع السياسات، ـ أن الضغوط الاقتصادية سوف تؤدى إلى تآكل المكاسب التى حققتها الأسر ذات الدخل المتوسط، وهو ما سوف يؤدى لتزايد الدعوات لتعزيز برامج الحماية المجتمعية بمختلف بلاد العالم سواء الغنية أو الفقيرة. كما أن التشتت الجيوسياسى بين الحكومات والدول، من شأنه أن يؤدى إلى حرب جغرافية واقتصادية بين القوى العالمية والإقليمية، ويزيد من احتمالات نشوب صراعات متعددة المجالات حول العالم.

وأظهر التقرير أن الدول والحكومات سوف تضطر إلى التدخل فى الأسواق من أجل استخدام سياسات اقتصادية دفاعية لحماية الاقتصاد الداخلى، ومن أجل بناء الاكتفاء الذاتى من الاحتياجات، والحصول على الاستقلالية والسيادة من القوى العظمى والدولية المتصارعة. وكشف التقرير عن أن الصراع والتنافس الاقتصادى بين القوى العالمية والإقليمية، قد يتسبب فى حدوث صراع وتنافس عسكرى، وسط ما يشهده العالم من ارتفاع فى الإنفاق العسكرى، والعودة لسباق التسلح العالمي. وما سيميز المشهد على هذه الساحة هو درجة الاعتمادية على التقنيات الحديثة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى المجالات العسكرية، وهو ما قد يدخل العالم إلى نفق مظلم قد يكون سببا فى تفجير مخاطر عالمية كاندلاع حروب إقليمية ودولية تستخدم بها التقنيات الحديثة، ستكون قواها التدميرية فى العالم كبيرة وواسعة مقارنة بما كان مألوفا فى العقود الأخيرة.

الطريق إلى المستقبل: أظهر تقرير منتدى الاقتصاد العالمى أن العالم مقبل على عقود مستقبلية مقلقة ستشهد مجموعة من الأزمات المعقدة، والمتمثلة فى أبسط أشكالها فى النقص الحاد بالغذاء والماء والمعادن والمواد الضرورية للحياة، وستتسبب فى حدوث أزمات إنسانية وبيئية خطيرة منها حروب على المياه وانتشار المجاعات، ستنتج عن موت الملايين من البشر. وفى ظل كل هذه التوقعات، فإن ذلك يستوجب على المجتمع الدولى أن يتفق على بنود ومفاهيم للحفاظ على الاستقرار والأمن العالمى، من خلال معالجة مسألة الثقة المتآكلة بين القوى العالمية، وتعزيز القدرات الجماعية العالمية من أجل منع الأزمات الناشئة عبر الحدود والاستجابة لها، وتقوية الحواجز التى نضعها للتصدى للمخاطر الراسخة. كما أنه يجب تمتين الأرضية المشتركة لتعزيز الترابط والتكامل بين الجهود العالمية، والتى يمكن من خلالها تخفيف حدة المخاطر، والحد من آثارها، والتركيز على استثمارات الحلول التى تعالج مخاطر متعددة ومزدوجة، مثل تمويل تدابير التكيف التى تأتى مع الفوائد المشتركة للتخفيف من تغير المناخ، والاستثمار فى المجالات التى تعزز رأس المال البشرى والتنمية وتوفر الوظائف المختلفة للشباب، وتعزيز دور المجتمع المدنى والمؤسسات الدولية والعالمية، وتدخل الحكومات من أجل تخفيف الآثار الاقتصادية فى مجتمعاتها.